أحقاً أن المرأة أكثر ثرثرة من الرجل؟


نشر بتاريخ: 26-04-2016

 

كثيرون يصفون المرأة بالنمامة، ويعتقدون أن الثرثرة والنميمة والقيل والقال عادات يحتكرها الجنس اللطيف، لكن ماذا إن لم تكن تلك الصورة لا تعدو كونها صورة نمطية؟
"ينابيع" استطلعت آراء عدد من النساء والرجال، واطلعت على دراسات وأدبيات متعلقة بالموضوع للوصول إلى حقيقة الأمر... فهل صحيح أن المرأة أكثر نميمة من الرجل؟
 
النميمة لملء الفراغ!
تقول الطالبة آمنة غشاش (خريجة جامعة القدس المفتوحة-تخصص خدمة اجتماعية): "القول قول حق، ويتجلى في المرأة التي لا تجد ما يشغلها، فتحتل النميمة جلّ وقتها، فهي عندها وسيلة للتفريغ عن النفس، أما التي تعمل أو تدرس فلا تجد الوقت لتفاهات الأمور، فنجدها تكرس جل وقتها لخدمة ما هو نافع مجد، فهي امرأة منتجة تقدر قيمة الوقت وتسخره للأفضل".
أما الحاجة أم علي (66 عامًا) فتقول: "المرأة تتحدث عن الموضة والألبسة والأطعمة، وفي كثير من الأحيان يغدو حديثها فضفضة، وهذا لا يعني أنها نمامة".
وفي لقائنا مع زوجها المزارع الحاج أبو علي، يجيب: "لا يمكن للمرأة أن تعترف بأنها نمامة، وفي الحقيقة (يا ويلو اللي بيوقع بلسانها)"، وفي اللحظة التي أبصر فيها عيني زوجته الحاجة أم علي تحدقان به أردف يقول (بس بضلين نواوير هالبيوت).
 
صورة نمطية
الطالبة سبأ زايد، المتخصصة في الإدارة الصحية، تبدي رأيها: "إلصاق سمة النميمة بالمرأة ظلم لها. نعم، نجدها تثرثر في الأمور الحياتية اليومية (الماكياج، والموضة، وطبق اليوم...إلخ)، ولكنها ليست نمامة، فالأمر لا يعدو كونه تفريغاً يزيد التواصل الكلامي والعلاقات اليومية". وعند سؤالها عن الرجل قالت: "أما الرجل فيقضي ساعات يسعى في النميمة لأنه لا يملك مواضيع أخرى تشغل لسانه غير الحديث عن فلان هذا وما فعل فلان ذاك".
وهذا فارس ماجد زيد، المتخصص بالمحاسبة في سنته الثانية، يقول: "ليست لي تجارب حقيقية في هذا المجال، لكني اطلعت من قبل على دراسات أجنبية تفند هذه المقولة وتبين أن الرجل أكثر نميمة من المرأة، وبرأيي تبقى الأمور وجهات نظر".
 
للعلم رأيه
أثبتت دراسة بريطانية حديثة، شملت ألف رجل وامرأة، أن الرجال أكثر نميمة وثرثرة من النساء، وتبين أن الرجل يمضي ثلاث ساعات يومياً وهو يتحدث ويتناقل الأخبار، ثم يستمتع بإطلاق الشائعات ونقل الفضائح، ويمارس هذه الهواية في ساعات العمل، بينما تمضي المرأة وقتها بالحديث عن الأزياء ومستحضرات التجميل والمسلسلات وحياتها الخاصة. ومن خلال تلك الدراسة اعتبر العلماء أن النميمة ظاهرة حية تساعد على بناء العلاقات بين الموظفين وقد تزيد من إنتاجهم في العمل.
وفي دراسة أخرى حديثة كشفت أن المرأة تقضي خَمس ساعات يومياً في النميمة والدردشة، وأنها تستمتع بالتحدث إلى صديقتها الحميمة أكثر من زوجها، وأن أهم الأحاديث تتمحور حول الآخرين والطبخ والحميات الغذائية والأطفال.
وأوضحت الدراسة أن المرأة تقضي (298) دقيقة في التحدث مع الآخرين، سواء أكانت في مكان العمل أو المنزل، ويبدو أن أكثر الأمور تداولاً هي مشكلات الآخرين والأطفال وعلاقات معارفهن العاطفية، تليها موضوعات التسوق والمسلسلات وزيادة الوزن والحميات الغذائية، والملبوسات. وذكرت الدراسة أن ثلث النساء يقضين جزءاً من نهارهن في الحديث عن الغذاء الذي تناولنه، في حين تحدثت ربعهن عن وصفات جديدة.
 
لا علاقة للجنس بالنميمة والثرثرة
يوضح د. عميد بدر (المساعد الإداري وعضو هيئة التدريس في كلية التنمية الاجتماعية والأسرية بفرع جامعة القدس المفتوحة في سلفيت) معلقاً على الدراسة السابقة، أن الفراغ والروتين اليومي منشأ كل نميمة، ولم تكن يوماً لصيقة نوع دون آخر، فالنميمة سلوك اجتماعي تفرضه البيئة المحيطة بالشخص نفسه، سواء أكان ذكراً أم أنثى، وإن الأمر متعلق بثقافة الإنسان وأخلاقه وطبائعه، مشيراً إلى تعدد الآراء المشككة في صحة الدراسة على اعتبار أن السائد في كل المجتمعات أن المرأة أكثر ثرثرة من الرجل، ومن ثم هي الأكثر وقوعاً في النميمة.
ويضيف: "من الصعب إجراء دراسة عن النميمة وتكون ذات نتائج صحيحة، فالذين يسعون في النميمة لا يعترفون بذلك، وخاصة النساء، كما أن المجتمعات العربية تختلف اختلافاً كبيراً عن غيرها؛ فالمرأة العربية غالباً ما تكون ربة منزل ولا تعمل، ما يجعلها تمتلك وقت فراغ تشغله في الحديث مع صديقاتها عن الآخرين أو الأخريات، بخلاف المرأة الأوروبية التي تعمل طوال ساعات اليوم، مع ضرورة التنبه إلى أن نتائج الدراسة لا تتفق مع الواقع العربي. وتتلخص الدوافع النفسية للنميمة لدى الفرد برغبته في الحصول على الدعم الاجتماعي الكبير، بوصفها مركزاً لتفاعل المجموعة، ووسيلة تقييمية عن الغير، ووسيلة تساعد على جذب الأصدقاء، وقد يكون للجانب الفسيولوجي أثر في التعامل بهذه العادة بين الناس كما أشارت إلى ذلك بعض الدراسات".
ويتابع: "بحسب الدراسات النفسية التي أعدها الباحثون في جامعة (ميشيغان) الأميركية، فإن النميمة تنشط هرمون بروغستيرون (progesterone) المسؤول عن خفض القلق والضغط النفسي عند النساء، وتقوي الأواصر الاجتماعية بينهن وتجعلهن أكثر سعادة".
 
الرجل يختار بعناية من يثرثر معه
تقول أ. زردة شبيطة (الأخصائية الاجتماعية في فرع "القدس المفتوحة" بقلقيلية): "التحدث إلى الآخرين وعنهم يرجع إلى العديد من العوامل التي تؤثر في نفس المرء وشخصيته، فالمرأة ذات النفْس المتعبة القلقة تبادر بالكلام كنوع من الفضفضة ليس أكثر، أما الرجل فيتحرى أشخاصاً يثق بهم ليفضفض لهم، وطبيعته هذه تختلف عنها لدى المرأة، فهي تفضفض حال خرج الأمر عن قدرتها واستطاعتها، فنراها تتحدث بدون وعي، فيقال (المرأة دائماً تتكلم أكثر)، مع العلم أن هناك اختلافاً بين الأشخاص بصرف النظر عن الجنس.
ويؤكد أ. عمرو محمد دراغمة (المتخصص في الخدمة الاجتماعية، وعضو هيئة تدريس بفرع الجامعة في طوباس) أن الكلام وسيلة الإنسان في أن يتواصل مع مجتمعه وأسرته ويعبر عن ذاته، وأن الجنسين يثرثران وهما بحاجة إلى ذلك، وخلاف هذا القول غير صحيح، ولكن الأمر يكمن في نوع الثرثرة ووقتها، فالملاحظ أن الرجل يكثر ثرثرته في مواضيع العمل والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والسياسة والمباريات، وتكون ثرثرته في أماكن عملة والنوادي والملاعب، أما المرأة فتثرثر في الشؤون الحياتية العامة ذات الموضوعات المتعددة المتنوعة (الصحة، والتربية، والأطفال، والقضايا العاطفية...)، وتأتي ثرثرتهن بمناسبة أو بدون مناسبة، ويرتبط هذا بالطبيعية الفسيولوجية عندها، فهي أحياناً تميل إلى كثرة الكلام للتخفيف من الضغوطات التي تواجهها في الحياة نتيجة تعدد الأدوار التي تمارسها، أما الرجل فيجهد في استعراض مهاراته الفكرية والعقلية، لذلك أعتقد أن الرجل والمرأة مكملان بعضهما في الثرثرة.
وتعلق أ. ثائرة محمد (أستاذة علم الاجتماع في فرع الجامعة برام الله والبيرة): "أعتقد أن النساء أكثر ميلاً إلى المناقشات العامة من الرجال، وذلك بحكم طبيعتهن التي تميل إلى الإسهاب والخوض في كل التفاصيل والفروع المعقدة لأي موضوع كان".
  يقول د. عبد الله النجار (أخصائي اجتماعي ونفسي، وأمين سر نقابة الأخصائيين الاجتماعيين في الخليل): "يسود الاعتقاد بأن المرأة أكثر نميمة من الرجل، ومرد ذلك إلى وجود وقت فراغ عندها أكثر من الرجل، وإلى كثرة اللقاءات النسوية، أما نفسياً فلا فرق بين الرجل والمرأة، لأن الأمر يعود إلى خلل نفسي يعبر عنه الطرفان (الرجل والمرأة) كحيلة دفاعية لتعويض حالة من النقص، أو للتسامي، أو لتبرير سلوك ما تجاه النفس أو الآخرين، ومن هنا ترتبط النميمة بالحالة النفسية عند الذكر والأنثى، فكلما زادت حالة الخلل النفسي كثرت النميمة، إذاً فالأمر ليس مرتبطاً بالجنس، بل بالحالة النفسية".
أما أ. جهاد الشريف فيعتقد أن المرأة أكثر نميمة من الرجل بسبب طبيعتها المحبة لكثرة الكلام والدردشة مع الأخريات، واتفقت معه أ. مريم أبو قوش التي عزت ذلك إلى كثرة التجمعات في أوقات مختلفة، أما أ. سليمان بشارات فقد خالفهما الرأي، ورأى أن الرجل أكثر نميمة من المرأة لخوفه منها، والثلاثة أخصائيو "خدمة اجتماعية" وأعضاء هيئة تدريس بـ"فرع أريحا".
ويقول د. عاطف العسولي (أستاذ علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، وعضو هيئة التدريس بفرع جامعة القدس المفتوحة في غزة): "النميمة-بصفة عامة-هي النزول بالحديث إلى الإشاعة والإفساد بين الناس، مع أن الأصل هو إظهار الشيء وإبرازه. إن عملية نقل الكلام تحتاج غالباً إلى دائرة واسعة من العلاقات، ولأننا نراها أوسع لدى الرجل فإنه الأكثر نقلاً للكلام، ولكن هل نقل هذا الكلام بمحتواه الحقيقي أم أضيف عليه بغية الكذب والإشاعة؟! فالرسول-صلى الله عليه وسلم-نهى عن نقل الكلام بصفة عامة لعدم الوقوع في براثن الكذب وقال: "كفى بالمرءِ إثماً أن يُحدث بكل ما سمع"، ويعتمد الأمر على القدرة على كتم الأسرار والاحتفاظ بالكلام. والدراسات التي تناولت هذا الأمر راوحت بين الجنسين؛ أي أن الرجل يكون أحياناً أكثر نميمة من المرأة، وتكون المرأة أحياناً أكثر نميمة من الرجل، وفقاً للخصائص النفسية والوضع الاجتماعي المحيط بكل منهما".