لماذا لا تُدرج "العبرية" لغة أساسية في المدارس والجامعات؟


نشر بتاريخ: 26-04-2016

"بات يعرفنا جيداً لأنه يتقن لغتنا (وهذا ديدن عدونا مذ احتل أرضنا)، لذا علينا أن نبادر بتعليم أبنائنا اللغة العبرية، كي يدرسوا حقيقة هذا العدو وأسلوب تفكيره". 
  وهذا أشرف عبد المجيد (43 عاماً) يقول: "لو كنت مسؤولاً في وزارة التربية والتعليم لأقررت تدريس اللغة العبرية منذ الصفوف الأساسية، فنحن في احتكاك دائم معهم، هم يحتلون أرضنا، ويدرسون كل مكوناتنا الثقافية من خلال تعليم أبنائهم لغتنا العربية، فتراهم أكثر قدرة منا على متابعة شؤوننا واتخاذ قرارات تنسجم ومصالحهم، لهذا أرى أهمية إدراج لغتهم (اللغة العبرية) في مدارسنا وجامعاتنا، فكلنا يجب أن يدرس لغتهم هذه انطلاقاً بالأثر القائل (من تعلم لغة قوم أمن شرهم).
   تبدو فكرة إدراج اللغة العبرية في المدارس والجامعات الفلسطينية-لغة أساسية-محل جدل، فنرى البعض يؤيد ذلك بدعوى دراسة العدو فكرياً وثقافياً في إطار حرب الوعي التي يشنها علينا، وكيفية التصدي لمخططاته الاستيطانية، فيما يرى آخرون أن ذلك سيشتت تفكير أطفالنا الذين ينبغي أن يتعلموا لغتهم الأم، بالإضافة إلى لغة أخرى عالمية (تبدو فيها الإنجليزية مرشحة لأكثر من اعتبار)، كي تدرج ضمن المراحل التعليمية الأولى.
ويقول أ. عوض مسحل، المحاضر الأكاديمي بجامعة القدس المفتوحة، المتخصص في تدريس "تاريخ القدس"، وهو أسير محرر: "شخصياً لا أعارض تدريس أبنائنا اللغة العبرية في المدارس والجامعات، فأنا من مؤيدي (اعرف عدوك) من خلال لغته".
يتابع: "مقابل هذا يجب أن نكون حذرين، فالجدوى من تدريس اللغة العبرية معرفة الاحتلال ودراسته، وهذا يتكلفه أطفال صغار، بل طلاب يعون حقيقة ما يجري على الأرض، لهذا أُفضّل أن يكون تدريس اللغة العبرية في مراحل متأخرة، فأطفالنا يحتاجون أولاً إلى أن يتعلموا لغتهم الأم قبل اللغات الأخرى"، مؤكداً أهمية إدراج اللغة العبرية ضمن مساقات اختيارية في الجامعات دون المدارس حتى لا نثقل على كاهل أبنائنا وسط ازدحام البرنامج المدرسي.
    ويقول د. مجدي زامل، القائم بأعمال عميد كلية التربية في جامعة القدس المفتوحة، إن تعلم لغات أخرى إلى جانب اللغة الأم أمر مهم، كونه يفتح الآفاق لمتابعة ثقافات أخرى، موضحاً أن الأولوية تكمن في تدريس أبنائنا اللغة العربية باعتبارها لغتهم الأم، ثم اللغة الإنجليزية كونها اللغة العالمية الأولى، مشيراً إلى أن إدراج لغات أخرى للطالب يُسهم في إكسابه معارف ومهارات كثيرة، ولكن قبل ذلك يجب إعادة النظر في السياسات التربوية وتحديد مخرجات التعلم المقصودة من كل مرحلة تعليمية يمر بها الطالب. ومن القضايا التي تحتاج إلى إعادة نظر فيها المنهاج المدرسي والكم الكبير من المواد الدراسية التي تثقل على الطالب، ما يقود إلى اتجاهات سلبية نحو المدرسة، وعدم فاعلية تعلم بعض المواد المدرسية، وتدني مهارات التفكير العليا لدى الطالب، وغير ذلك.
ويشير د. زامل إلى وجود قدرة فاعلة لدى الطالب في التعلم، وهذا لن يكون بالتلقين، بل بوجود بيئة تعليمية تعلمية غنية مشجعة، تمتاز بمنهاج مدرسي يراعي مهارات القرن الواحد والعشرين، ويوظف استراتيجيات تعليمية متمركزة حول الطالب، معززة بالتكنولوجيا والتقنيات التعليمية التي تيسر تعلمه، وهذا ما يوصلنا إلى طالب مُبدع مُبتكر. 
 ويرى د. زامل أن لا بأس من تدريس اللغات الأخرى شرط أن تكون مواد اختيارية في مراحل متأخرة من المدرسة، بحيث يكون الطالب قد وصل إلى نضج يمكنه من مواكبة المغزى من تعلم اللغات الأخرى، ويكون قد أدرك لغته أولاً وتعلم أساسيات لغة عالمية (الإنجليزية مثلاً) ثانياً. ويرى أن يكون أمر تعلم اللغة العبرية متروك للراغبين في ذلك، منوهاً بأهمية أن يتقن طلبة التخصصات الجامعية هذه اللغة، وبخاصة المختصون في العلوم الإنسانية كالعلوم السياسية والتاريخ والإعلام، وبعض التخصصات العلمية، مع توخي الدقة والحذر في تحديد المنهاج والأشخاص الذين سيدرسون هذه اللغة (العبرية)، حتى لا يزرعوا مفاهيم واعتقادات مغلوطة في عقول الطلبة.
ويؤكد د. زامل أن تعليم اللغات على وجه مؤثر فاعل يتطلب رؤية واستراتيجيات وبرامج ومصادر تعلم وكوادر بشرية قادرة على إكساب الطالب المعارف والمهارات اللازمة. فعلى سبيل المثال، نلحظ وجود تميز لدى بعض المدارس الخاصة في تعليم اللغة الإنجليزية، وهذا يعود إلى اعتبارات عدة، منها: رؤية المدرسة، واستراتيجيات التعليم، والمواد، والكتب، والأنشطة، ومصادر التعلم، واستراتيجيات التقويم، التي من شأنها أن تعزز تعلم هذه اللغة لدى طلبتها. 
أما وزير التربية والتعليم العالي د. صبري صيدم فأكد في لقاء مع "ينابيع" أن إدراج اللغة العبرية في المنهاج التعليمي قد طرح في مدارس القدس دون غيرها، يقول: "رأينا ألا تتخذ الوزارة قراراً بهذا الشأن، والأفضل أن نخلق نقاشاً مجتمعياً ومن ثم يدلي المجتمع بدلوه، فأمر كهذا سيدخلنا في إطار المزايدات وستكثر من حولنا المهاترات، ونجد من يتهمنا بالمطبعين مع الاحتلال".
وأضاف: "إن إقرار (العبرية) رسمياً في مدارسنا يعد موقفاً سياسياً إذا ما قيس بالمفهوم السياسي، وهذا الموقف بمعزل عن موقف مجتمعي شامل، يعد انتحارياً لوزير التربية والتعليم العالي. ولكن ينبغي على أبناء شعبنا أن يتعلموا كل لغة يرغبونها، ذلك أنها تغذي الروح والعقل وتفتح آفاقاً أخرى".