طالبة "القدس المفتوحة" المرأة الحديدية الفلسطينية


نشر بتاريخ: 31-10-2015

"فتاة جميلة متمردة، اعتادت المشي وجبينها يعانق السماء، حنطية بشعر أسود منسدل على كتفيها تغطيه كوفية ترمز إليها، صوت هذه الحسناء يعلو منذ عام 1948م، لكن آذان الآخرين صمت عنه.
فلسطين تلك الفتاة الرقيقة القوية، الحزينة السعيدة، المغصوبة الحرة، هكذا هي، وهكذا هن نساؤها.
ولأن المرأة الفلسطينية تمثل إلى جانب الرجل القضيةَ والثورة والوطن، ولأنها ندّ الرجل من حيث الأهمية والمكانة، التزمت جامعة القدس المفتوحة بواجبها تجاهها، فقد ارتفعت نسبة الملتحقات بها بحيث باتت تشكل أكثر من نصف أعداد الطلبة بكثير. ولم تكتف "القدس المفتوحة" بتسليمهن شهادة أكاديمية، بل دأبت في إعلاء أصوات فتيات فلسطين وإشراكهن في اتخاذ القرار والمصير".
هكذا بدأت إيناس بشير (الطالبة في فرع الجامعة بنابلس في تخصص اللغة الإنجليزية)، حديثها عن دافعها للالتحاق بـ"القدس المفتوحة"، موضحة أنها امتازت عن قريناتها منذ صغرها باهتمامها بالخطابات والسياسة والثورات والتمرد ضد الواقع المعيش، وبخاصة بعد تطوعها مع النادي النسوي في بلدها.
وبعد أن تعرفت إلى شخصيات عديدة من الجامعة، أدركت أن تحقيق هدفها وركوب موج السياسة يطالبها بالالتحاق بـ"القدس المفتوحة"، كي يتسنى لها الحصول على الدعم الذي تحتاجه، ووقت الفراغ الذي يتطلبه التطور خارج الإطار الأكاديمي.
 
كانت هي العائلة والوطن، وأولى رئيسات مجالس الطلبة في فلسطين حتى الآن
  بمن احتذت إيناس ومن هن اللواتي ألهمنها للمضي في حلمها؟
بهادر شاهر رزق الله، واحدة من الفتيات اللواتي أثبتن جدارة النساء بالمشاركة السياسية، التحقت بجامعة القدس المفتوحة، سعيًا لمواءمة دراستها بظروفها الاقتصادية والاجتماعية.
 أنهت رزق الله الثانوية العامة بالفرع التجاري، ثم التحقت بكلية العلوم الإدارية والاقتصادية (برنامج البكالوريوس في العلوم المالية والمصرفية) في "القدس المفتوحة".
 تقول رزق الله: "النظام التعليمي المتبع في الجامعة هو ما كان يناسبني، وكنت مدركة تمامًا لذلك الأمر، فالتعليم المفتوح لا يتطلب منك الالتزام بالدوام بشكل يومي، ما يعني أنه لن يربطك بمكان ما، وهذا النوع التعليمي أيضًا جعلني أكثر قدرة على الاعتماد على نفسي، وهو أمر كنت بحاجة إليه، وبخاصة أنني كنت أنوي إكمال تعليمي العالي، دون أن أضطر للتضحية بدوري العائلي والمجتمعي".
وتتابع: "تمكنت من الدراسة ومواكبة مسؤوليتي العائلية من دون أن أتنازل عن أي منهما، فخلال دراستي الجامعية أديت أدوارًا عدة دون انتقاص فيها؛ فمن جهة أتابع دراستي، ومن أخرى كنت أرعى والدتي-رحمها الله-في مرضها، كما أنني كرست وقتًا كبيرًا لأخوتي الصغار، وهكذا مرت سنوات الدراسة وأنا أحقق أكثر من هدف في آن واحد".
لكن لم تكن حياتها الأكاديمية والعائلية جل ما كانت تسعى له.
تقول رزق الله: "منذ سنتي الأولى حددت هدفي، فكنت أسعى إلى أن أتمكن من مشاركة نظرائي الرجال في اتخاذ القرار والتخطيط لحياتنا الأكاديمية في الجامعة، فالتحقت بحركة الشبيبة الطلابية (الذراع الطلابية لحركة فتح)، وكنت قد انخرطت بالنشاطات الطلابية والخدمات التي يقدمها هذا الإطار للطلبة".
مع مرور الوقت كسبت رزق الله ثقة زملائها، وهي ترى ذلك وتفهمه، وتستخدمه كمصدر إلهام لتقديم المزيد.
وتوضح: "كنت أرى ثقتهم بي تتزايد يومًا بعد يوم، وكان ذلك يزيدني إصرارًا على خدمتهم والوقوف إلى جانبهم في كل القضايا التي قد تواجههم في الجامعة. وكانت بدايتي في السلم القيادي للشبيبة بانتخابي عضوًا في مؤتمر الشبيبة العام في الجامعة، ثم انتخبت عضوًا للهيئة الإدارية لحركة الشبيبة، وبعد ذلك انتخبت منسقة أخوات دلال (وهي اللجنة المسؤولة عن الطالبات في حركة الشبيبة الطلابية)، ويطلق عليها هذا الاسم نسبة للشهيدة دلال المغربي بطلة عملية الساحل الفلسطيني".
   في عام 2011م، اختارت حركة الشبيبة رزق الله ممثلة لها في مجلس اتحاد الطلبة، وكلفتها بحقيبة العلاقات العامة، وبتاريخ 31/12/2012م انتخبها مؤتمر حركة الشبيبة الطلابية لتتولى منصب رئيس مجلس اتحاد الطلبة، لتكون بهذا هي الفتاة الوحيدة التي تتسلم رئاسة مجلس اتحاد طلبة في فلسطين.
وعن هذه التجربة، تقول رزق الله: "خلال هذه السنوات، تغلغلتُ في معظم المؤسسات التنموية والشبابية والنسوية، وتعمقت في العمل التطوعي، ومسكت بيد طاقم العمل النسوي في المحافظة، وعملنا معًا وبشكل متواصل لخدمة نساء مجتمعنا".
ولن تقف مسيرة بهادر رزق الله هنا، إذ توضح أن لديها طموحات كثيرة، ستجعلها-بعون الله-ومن حولها ممثلة جيدة للمرأة الفلسطينية، ومثالاً على القوة التي نبعت من الصعاب.

إسراء في عين الكل قائدة
إسراء هشام أبو شلبك، الطالبة في تخصص الخدمة الاجتماعية (تنمية المجتمع المحلي) في فرع الجامعة في نابلس، هي مثال آخر على المرأة القوية ذات الصفات القيادية، التي لا تخشى المشاركة فيما هو حقها (القرار).
ورغم أنها التحقت بجامعة القدس المفتوحة كي تتمكن من التفرغ لأكثر من شيء في الوقت نفسه، فإنها سرعان ما أدركت أن "القدس المفتوحة، تمثل دربها نحو منبر يعلو فيه صوتها، وهكذا تطوعت أبو شلبك لتصبح جزءًا من طاقم مجلس اتحاد الطلبة في الجامعة، وصارت تكرس وقتًا للالتقاء بزملائها والتعرف على احتياجاتهم، والمساهمة في صنع القرار حول ما يمكن أن يحسن من حياتهم الأكاديمية. 
تقول أبو شلبك: "لطالما فكرت أنه عليّ أن أكون قائدة على نفسي، أي ألا أتصرف حسب ما يمليه عليّ هواي، بل سعيت لأن أكون حازمة صارمة في حياتي وأحلامي وأهدافي، ومسيرة نموّي كإنسان. فكون الإنسان قائدًا لنفسه وعليها، سيخوله لأن يؤثر في غيره، وأعتقد أن هذا ما يميزني عن غيري".
أبو شلبك تبني الآن، بلا انقطاع، شبكة مسيرة أكاديمية واجتماعية تمكنها من أن تكون إحدى صانعات القرار مستقبلاً.
تقول: "من خلال مسيرتي مع ملس الطلبة، تمكنت من البحث في نفوس من أقابلهم، فالتعرف إلى الناس ومخالطتهم ساعدني على فهم متطلبات من هم حولي، ووقفت على أحاسيسهم وأفكارهم، وبت أجيد تجميع مهاراتهم في بوتقة تصب في مصلحتهم ومصلحة الوطن".
وتتابع: "هذه المهارة مع القليل من الصبر والانفتاح العقلي، إضافة إلى التحلي بابتسامة صادقة، وقسط عال من التفهم، والقدرة على قيادة الحوار، والثقافة المتنوعة، كل ذلك أهلني لأكون في نظر محيطي وأصدقائي وجامعتي قائدة يوثق بها في إيصال صوتهم بصدق وشفافية".
وتفصل أبو شلبك عملها أكثر، موضحة أنها من خلال مسيرتها تمكنت من إثبات أن للطالبات في كل الجامعات وبخاصة "القدس المفتوحة"، دورًا فعالًا لخدمة الوطن ومن هم غير قادرين على إيصال رأيهم، تبعًا لدواعي الخجل أو الخوف أو عدم القدرة على تحدي الأفكار البالية في المجتمع".
وتضيف: "من خلال تطوعي في مجلس جامعة القدس المفتوحة تواصلت حسيًا مع الطلبة، وهو تواصل فعال ومهم في ارتقاء المسيرة التعليمية، فقد كنا أسرة واحدة تنبذ فكرة الاستثمارات الطويلة والانتقاءات العشوائية في معرفة الاحتياجات الطلابية، ومع أن ذلك يعد عملًا متعبًا وطويلًا فإنه يضمن المساواة نوعًا ما".
وتأمل أبو شلبك في أن تتمكن يومًا ما من الحديث عن طلبة الجامعات الفلسطينية وتمثيلهم على الصعيد العالمي أمام كل الجامعات الدولية.

حملت الدبكة والقضية إلى الخارج
   كانت طفولة نشوى قشوع، (الطالبة في "القدس المفتوحة" بتخصص اللغة الإنجليزية)، حافلة جدًا، فقد عشقت منذ صغرها الدبكة والرقص المعاصر، وجعلت منهما وسيلتين لأسر من حولها والاستحواذ على اهتمامهم.
   هي واحدة من الطالبات اللواتي أثبتن أن المرأة تسعى لأكثر من الحصول على "طبخة مقلوبة ممتازة"، لذا نراها تمثل الجامعةَ في العديد من المحافل، وتتحدث عن القضية الفلسطينية أمام خبراء من دول أجنبية، وتسعى أيضًا إلى تمثيلها في مؤتمر بعمان يحتضن الجامعات الفلسطينية كلها.
   تقول نشوى: "أن أسجن في قاعة دراسية يومًا كاملاً كان بمنزلة كابوس يرعبني، فطالما كنت طفلة نشيطة أحب الحركة والاختلاط بالناس، وهذا ما جعل "القدس المفتوحة" أولى خياراتي عندما أنهيت الثانوية العامة".
   تضيف: "تطوعت في مراكز فنية عديدة، ومؤسسات تسعى إلى تمكين المرأة الفلسطينية التي لا تملك في حياتها سوى القليل، وسعيت خلال سني دراستي إلى أن أنقل هذه الخبرة إلى الميدان".