التعليم المدمج نافذة الطالب إلى الحياة العملية


نشر بتاريخ: 17-02-2019

 

 
رام الله-ينابيع-بات التعليم المدمج الذي تتبعه جامعة القدس المفتوحة لتدريس طلبتها بشكل أساسي أنموذجاً مميزاً للتعليم العالي على مستوى الوطن، فهو يسهم في توظيف التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية، وهو عامل من عوامل تحسين جودة التعليم العالي الفلسطيني وحداثته، وبالتالي جودة مخرجات هذا التعليم وكفاءة الخريجين، ويتوافق في ذلك مع المعطيات والأهداف التي تضمنتها الخطة الاستراتيجية لقطاع التعليم 2017-2022. والتعليم المدمج يحفز على تطوير مهارات التعلم الذاتي لدى المتعلم، فهذا يعزز ثقافة وإمكانية التعلم مدى الحياة.
 يرى رئيس الجامعة أ. د. يونس عمرو، أن التعلم المدمج، وباعتباره يستخدم وسائط عابرة للحدود والمحددات، قادر على الإسهام بفاعلية في تعميم التعليم في فلسطين، من خلال اندماج المجتمع الفلسطيني بمؤسساته الحكومية والأهلية والخاصة في جهود توفير التعليم العالي وتحسين صورته، وانعكاس ذلك على ديمقراطية التعليم وشموليته، وتركزه حول المتعلم، وصولاً إلى تعميم واسع للتعليم بجميع مستوياته في فلسطين.
 
ويوضح أ. د. عمرو أن جامعة القدس المفتوحة تتبع نظام التعليم المدمج الذي يعد نظاماً تعليمياً حديثاً، إذ يتيح الفرصة لكل راغب في التعليم وقادر عليه أكاديمياً أن يستفيد من خدماته، وهو أيضاً نظام عصري يستند إلى مرتكزات التعلم الذاتي واستقلالية المتعلم، ويوظف التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية متجاوزاً حدود الزمان والمكان، ومطوعاً كل المحددات الاجتماعية والثقافية لخدمة المتعلم، إضافة إلى المحاضرات الصفية. وبذلك، فإن هذه المقومات والميزات لنظام الجامعة، وما خطته من خطوات واثقة وحثيثة في مجال التعليم المدمج وتطوير إجراءاته وتقنيتها للبيئة الفلسطينية، تجعل الجامعة قادرة على أن تحتل مكانة رائدة في هذا المجال على المستوى الفلسطيني، بل والإقليمي والعالمي، وكذلك في نشر فلسفة التعليم المدمج والثقافة الإيجابية تجاهه، وباعتباره مستقبل التعليم بمستوياته وجميع مراحله في العالم.
 
ويضيف: "ساهم التعليم المدمج في محو الأمية، وتمكين المرأة، وأدخل التعليم إلى المناطق المهمشة، وأزال الحواجز التي تقف أمام التعلم المستمر مدى الحياة".
 
وتابع أ. د. عمرو: "إن الجهود التي تبذلها قطاعات الجامعة لتطوير التكنولوجيا وتوظيفها لصالح الأغراض التعليمية شهدت تقدماً ملحوظاً، خصوصاً في مجال التعلم الذكي وتطوير المصادر التربوية المفتوحة (OER)"، مذكّراً بتتويج الوسائط التعليمية في الجامعة بإطلاق نموذج التعلم الذكي ثم فضائية القدس التعليمية التي هي إحدى الوسائل التعليمية الضرورية لخدمة فلسفة التعليم المدمج الذي يستند إلى الدمج بين اللقاءات الوجاهية والوسائل الإلكترونية، كما حصدت الجامعة عدة جوائز عربية وعالمية نتيجة هذا التطور.
 
وفي هذا السياق، يرى أ. د. سمير النجدي نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية، أن أهم ما يميز الجامعة هو الإسهام في رفع المستوى الثقافي والاجتماعي لدى أفراد المجتمع عن طريق بناء اقتصاد ومجتمع المعرفة وتلبية حاجات سوق العمل، فالتعليم المدمج هو أحد أنماط التعليم القائم على المزج بين التعليم الوجاهي (التقليدي) والتعلم الإلكتروني الذي يعتمد على تقنيات المعلومات والاتصالات.
 
وتابع قائلاً: "إن ما يميز التعليم الإلكتروني، ومن ثم المدمج، هو المرونة والتركيز على استقلالية المتعلم، وزيادة دافعيته وخبراته، وشعوره بأن التعلم يحدث خارج جدران قاعة الدرس، إضافة إلى استخدامه أساليب الفهم والتحليل والتركيب، ما يثري معرفته، وكل هذا يؤدي إلى صقل شخصية الطالب وزيادة حب الاستطلاع والخيال لديه والتفاعل مع متغيرات بيئة التعلم، فيعلو مستواه المعرفي ويصبح منتجاً للأفكار الإبداعية ومتميزاً في مجاله".
ويرى أ. د. النجدي أن التعليم المدمج هو من أحدث أنماط التعليم المستخدمة في العديد من جامعات العالم، لما يتميز به من الاستخدام الأمثل للموارد المادية والافتراضية وتدعيم طرائق التدريس التقليدية بالوسائط التقنية الحديثة وانخفاض تكاليفه ونفقاته المالية، إضافة إلى مرونته الكافية في توفير فرص التعلم للمتعلمين على اختلاف مستوياتهم، وتجاوزه لحدود المكان والزمان في الوصول والحصول على المعلومات بين المواقع والأفراد. "وفي حالتنا الفلسطينية وما يفرضه وجود الاحتلال من تقطيع أواصر الوطن ووضع العراقيل أمام أبناء شعبنا بطرق مستحدثة وبشكل يومي، فإن مميزات التعليم المدمج هي العلاج الأمثل للتغلب على واقع حياتنا اليومية بشكل عام وواقع التعليم العالي الفلسطيني بشكل خاص"، قال.
 
ويوضح أن التعليم المدمج هو أقل تكلفة وأكثر مرونة، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها شعبنا المحاصر في فلسطين، فإنه النمط الأكثر ملاءمة في إعطاء الفرص لمن يرغب في التعليم ومن فاتته الفرصة لأسباب، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك. ولا ننسى تعليم الأسرى في السجون الإسرائيلية، إذ حصل العديد منهم على تعليمه الجامعي بهذا النمط وهم في السجون.
 
كادر
تؤكد منظمة اليونسكو أن التعليم المدمج يعد منهجاً قيماً للمساعدة في تعزيز التعلم ويحقق هدف التنمية المستدامة الرابع المعروف باسم التعليم 2030، وهو ضمان التعليم الجيد والمنصف وفرص التعلم مدى الحياة. نشأ التعلم مدى الحياة على فكرة أن التعلم غير محدد في فترة عمرية معينة، بل يتعداها إلى كل مراحل العمر وفي أي مكان ما دامت الرغبة والإمكانية متوفرة. 
 
ويرى أ. د. سمير النجدي أن التعليم حق أساس من حقوق الإنسان، بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو العرق أو الوضع الاقتصادي، مع العلم بأن الحصول على التعليم وحده لا يكفي، إذ إن نوعية التعليم ومدته ‏يتمتعان بالقدر نفسه من الأهمية، وقد أتاح التعليم المدمج المجال لجميع أفراد المجتمع الفلسطيني فرصة التعلم، وبناء عليه لم يعد التعليم مقتصراً على فئات بعينها أو بتوجيهات من جهات معينة، فالحق في التعليم أصبح متاحاً خارج المقاعد المدرسية ولجميع القطاعات وفق ما تتطلبه الحاجة من أجل إكساب الفرد كفايات متطورة وقدرات إبداعية يحتاجها في عمله ووظيفته. 
 
تعليم يسهم في تحسين المهارات الشخصية والمتخصصة
 
إلى ذلك، يرى أ. د. محمد شاهين مساعد رئيس جامعة القدس المفتوحة لشؤون الطلبة، أن التعليم المدمج وباعتباره صيغة من صيغ التعليم والتعلم التي يتكامل فيها التعليم الصفي مع التعليم الإلكتروني، فإنه يسهم في تحسين مهارات المتعلم، سواء الشخصية أم المتخصصة، ويوسع في إدراكاته ويطور في قدراته على التفكير الناقد والتحليل والفهم من خلال التعلم مع التكنولوجيا لا منها، والتفاعل مع خدماتها بإيجابية، ومن ثم يساعده ذلك على الإبداع والتميز.
 
ويضيف: "التعليم المدمج واستخدام التعلم الإلكتروني إنما يتجاوز حدود الزمان والمكان والإمكانات لدى المتعلمين، وهو بذلك يتعامل بفاعلية من المحددات التي يفرضها الاحتلال في الواقع الفلسطيني، وبخاصة القيود على مؤسسات التعليم العام والعالي، وهو أيضاً يتناسب مع المجتمعات التي لديها إمكانات محدودة اقتصادياً، وانعكاس ذلك على تكلفة التعليم، سواء على الفرد أم الأسرة أم الحكومات. فالتعليم المدمج قادر على التعامل مع ظروف المجتمع الفلسطيني، وزيادة مساحة تفاعله وتواصله في الإطار الأكاديمي على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي".
 
ويتابع: "لقد تضمنت الالتزامات العالمية بخصوص الهدف الرابع (ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة)، التزاماً ينص على توفير فرص التعليم مدى الحياة للجميع في مستويات التعليم كافة، واقترن ذلك بالتزام آخر يتعلق بوضع أنظمة تعليمية أكثر شمولاً ومرونة، والتعليم المدمج بخصائصه وأوراقه وإجراءاته هو الأقدر على التعامل مع هذين الالتزامين، من خلال قدرته على توفير مقومات التعليم مدى الحياة للفئات كافة، بعيداً عن العقبات التي يفرضها عامل الزمان أو المكان، أو الفئة العمرية، أو الظروف الاقتصادية، وحتى القيود الاجتماعية".
 
 
التعليم المدمج أسهم في توفير التعليم للجميع
 
 ترى د. علياء العسالي، عضو هيئة تدريس في كلية العلوم التربوية بجامعة النجاح الوطنية، أنها مع أنسنة التعليم في فلسطين، فالتعليم المدمج يحل المشكلات المتعلقة في اللوجستيات، ويسهم في توفير التعليم في كل مكان في فلسطين، وهذا من محاسن التعليم المدمج في فلسطين، ولكن إن أخذ التعليم المدمج أكثر فإن دوره يمكن أن يتحول إلى سلبي ويؤثر في شخصية المعلم.
 
وتضيف د. العسالي أن هذا التعليم هو حاضنة وتسهيل لعملية التواصل بين الطالب والمدرس، وتجربة "القدس المفتوحة" ناجحة ولها بعد وطني، وحق التعليم للجميع هو حق مقدس وإنساني، و"القدس المفتوحة" توفر هذا الحق لأبناء شعبنا، وتؤمن فرص تعليم للمراحل الجامعية لأناس لا يستطيعون الالتزام بالدوام في الجامعات التقليدية للارتباط بعمل ما أو مكان ما. إذاً، فدورها وطني بامتياز يدعم الحق في التعليم، ويتيح الفرصة لكثير من الناس الذين لا يمكنهم أن يلتزموا بالتعليم التقليدي في فلسطين.
 
وأوضحت العسالي أن التعليم المدمج يسهم في توفير التعليم مدى الحياة لمختلف أبناء شعبنا، وهو تعليم يتجاوز المعيقات التي يواجهها التعليم العادي النظامي، وهذا تعليم يفتح أبواباً لا يفتحها نظام التعليم العادي، ولكن يجب مراعاة عدم استحواذ التكنولوجيا على المكان من أجل أن نمكن الطالب من امتلاك هوية المكان، ففي "القدس المفتوحة" لا تفقد هويتك ولا تكون أسير الدوام، ولكن النسبة والتناسب مهمة بحيث لا يطغى التعليم المدمج على التعليم النظامي.
 
أما د. إيناس ناصر، عميدة كلية العلوم التربوية بجامعة القدس، فتقول: "إن التعليم المدمج أسهم حتى الآن في تعميم التعليم في فلسطين، فهو متوفر في الجامعات الفلسطينية المختلفة، ومن سنوات طويلة لدينا في جامعة القدس نظام صفحة إلكترونية للمدرس وأخرى للطلبة".
 
وأضافت د. ناصر أن هذا التعليم إذا طبق على نحو صحيح ونشرت ثقافته سيسهم في نشر المعرفة على مستوى الوطن والعالم، وتجربة "القدس المفتوحة" في مجال التعليم المدمج تجربة رائعة، فمثل هذا النموذج رائع، ويمكن لكثير من الجامعات أن تعتمده، فهي سهلت على كثير من الناس التعليم، وطريقتها في التعليم وفلسفتها ساعدتها في نشر التعليم في مختلف أرجاء فلسطين، وساعدتها في نشر معلوماتها وإنتاجها للعالم، وأسهم التعليم المدمج أيضاً في زيادة جودة تعليم القدس المفتوحة بشكل لافت مقارنة بالمؤسسات العلمية الأخرى.