حاكتْ خيمة النزوح وشاحاً واعتمرتْ إصرارها طاقية.. روزان: أجل، وتخرجتُ بامتياز
تخرّجتُ..
بلا وشاحٍ، بلا طاقية، بلا منصة ولا مدرج، لا تصفيق يعلو، ولا زغاريد تُطلق في السماء…
تخرجتُ خارج مدينتي، خارج بيتي، في خيمتي، تحت الرصاص، في مدينة الموت…
لكنني تخرجت.
بسم الله الرحمن الرحيم (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى).
نعم، سعيت. من قلب المعاناة، من عمق الوجع، من بين أنقاض الرعب، خرج الحلم من رماد الحرب.
أنا روزان رائد عياش، ابنة جامعة القدس المفتوحة – فرع رفح، خريجة بكالوريوس "اللغة الإنجليزية وآدابها" – فرعي تربية.
كنت الطالبة المتفوقة منذ أول يومٍ دخلت فيه إلى هذا الصرح، وحصلت على منحة التفوق لأني كنت أؤمن أن الاجتهاد لا تضيع خطاه.
لكنها الحرب…
تلك التي قلبت كل شيء.
كنت على وشك التخرج من جامعتي العظيمة، لولا أن غدر الريح للسفن.
قصف، ونزوح، وجوع، وظلمة، وضياع، وفقدٌ لكل شيء… حتى ملخّصاتي وكتبي اندثرت.
قدّمت أول فصل لي في الحرب دون أن أقرأ كلمة، فقط تسهيل من الله، حتى لا أؤجل، حتى لا أتعطل.
ثم جاءت المرحلة الأصعب…
مشروع التخرج.
اليوم الذي حلمت به طويلاً، أصبحت أعيشه بين الركام.
كنا ننزح من خيمة إلى أخرى، من موت إلى موت، وأنا أحمل حلمي معي.
ظروف مادية تحدها القسوة والألم من كل جانب… لم أملك ثمن بطاقة إنترنت، ولا حتى ما يوصلني إلى مكان تتاح فيه الشبكة.
كان سعر ساعة الإنترنت 6 شواكل، وأحتاج من أربع إلى ست ساعات يومياً لإنجاز المشروع.
فقررت أن أعمل.
مارست مهنة معلمة للأطفال النازحين في المخيمات.
كنت أعمل صباحاً، وأسير لمسافات طويلة كي أوفر ثمن بطاقة إنترنت بدلاً من المواصلات.
كل هذا... ولم ينهكني، بل جعلني أشد صلابة.
في كل مرة، كنت أقول:
"سأكمل، سأصل، سأفرح، ولو كانت الخطوة الأخيرة فوق الرماد".
لا كهرباء، لا شحن، لا ضوء… كان نور القمر رفيقي وأنيسي في أثناء الدراسة.
تعبت كثيراً، وصممت أن يكون مشروعي متميزاً، وأن أتخرج بامتياز مع مرتبة الشرف… فعلتها.
ناقشت بحث تخرجي فوق الركام… فوق الأرض التي فقدت فيها الكثير، ولكن لم أفقد نفسي.
ليس هذا نجاحي وحدي، بل نجاح جامعتي– جامعة القدس المفتوحة، التي لم تتخلّ عنا لحظة.
يا أبي، ها أنا أحقق حلمك أمام عينيك، أقف ممتنة لكل من وقف معي، ولكل من قال: "كملي، بتقدري".
أنا روزان.. سفيرة التحدي في زمن الإبادة والخذلان.
أنا أول طالبة فلسطينية تتخرج بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة القدس المفتوحة خلال الحرب، فوق الدمار، وسط الظلام، وبرفقة الحلم.