على مقعد دراسي واحد بعد 12 عامًا من الأسر


نشر بتاريخ: 26-04-2016

لم يكن محمود أنيس حسين صبرة (41 عامًا) يظن يومًا أن الظروف ستجمعه وابنته شهد (18عامًا) على مقعد دراسي واحد، لكن "القدس المفتوحة"، كعادتها، احتضنته بعد أن تحرر من الأسر لتجمعه مع ابنته طالبيَن للعلم في السنة الجامعية الأولى.
نشأ محمود في بلدة بروقين بمحافظة سلفيت، ترعرع فيها، وانتمى لأسرة فقيرة، فوالده الذي كان عاملاً جاهد من أجل توفير لقمة عيش لأبنائه التسعة (أربعة أشقاء وخمس شقيقات).
 عرف منذ نعومة أظفاره أن الأرض كنز، فتنسم عبق ترابها وعشق زيتونها الضارب في التاريخ، وعلم مع مرور الأيام بأن ثمة من يشوه المكان ويصادر حلمه ويرفض أن تكون تلك الشجرة رمزًا للسلام والمحبة، حينئذ أدرك أن التعايش مع هذا المحتل المغتصب أشبه بعملية انتحار، ما حداه إلى الالتحاق بصفوف كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح قبيل انتفاضة الأقصى، ليصبح مطلوبًا لا تنفك قوات المحتل تطارده. آمن بأن البندقية ضرورة لحماية شجرة الزيتون، وللانعتاق من آخر احتلال في المعمورة.   
وخلال مطاردة استمرت سنوات عدة، أقدمت سلطات الاحتلال على هدم منزل العائلة، ليقع محمود بُعيد ذلك في الأسر مرة أخرى ويُحكم عليه بالسجن الفعلي مدة (12) عامًا، بعد أن كان قد أمضى فيه سنتين ونصف السنة إبان الانتفاضة الأولى.
زج بمحمود في غياهب السجون لينضم إلى رجال باعوا أنفسهم وحياتهم باحثين عن الحرية، تاركًا خلفه زوجة، وثلاثة أبناء: شهد، ويزن، ورزق.
 مضت السنون، وكبرت شهد الطفلة، ابنة الأعوام الستة لحظة اعتقال والدها، وكان كل يوم في الانتظار "متى يخرج أبي من السجن؟" يمر عليها كسنة. عاشت الأسرة كل أصناف العذاب في انتظار الفرج، ليتجلى بعد (12) عامًا ويفك محمود قيود الأسر.
تركها ابنته طفلة، وها هي شهد تكبر وتتعاظم أحلامها، لتنهي الثانوية العامة بنجاح، وتقرر الالتحاق بفرع "القدس المفتوحة" في سلفيت، بينما يلتحق الأب الأسير المحرر الذي آثر أن يكمل تعليمه في الجامعة نفسها، بفرع رام الله والبيرة التعليمي.
يقول محمود: "أن تترك ابنتك طفلة، ثم تخرج من أسرك بعد (12) عامًا لتلتحقا معًا بجامعة القدس المفتوحة، لهو شعور عظيم، بل دليل على أننا شعب يسعى للتعليم مهما كانت التحديات وتقدم العمر".
آثر محمود أن يلتحق بتخصص الخدمة الاجتماعية، معتقدًا أن هذا التخصص من شأنه أن يكسبه مزيدًا من المهارات العلمية اللازمة لخدمة مجتمعه وتغيير الواقع الحالي، بينما رغبت شهد في أن تلتحق بتخصص المحاسبة معتقدة أن التخصصات المقترنة بالأعمال والتجارة ستفتح لها آفاقًا أكثر اتساعًا لوظيفة ما.
 يعمل محمود في وظيفة حكومية برام الله، لذا التحق بفرع "القدس المفتوحة" هناك، بينما التحقت شهد بفرع سلفيت حيث تسكن العائلة. 
يقول محمود: "صحيح أنني أدرس بفرع وشهد بآخر، لكننا في الجامعة ذاتها، وهذا يؤكد أن جامعة القدس المفتوحة صرح أكاديمي متميز ينتشر في المحافظات كلها، ليوفر فرص التعليم لأبناء شعبنا مهما كانت أوضاعهم".
ويضيف: "نظام التعليم المفتوح يوفر فرصة لكل أبناء شعبنا كي يجمعوا بين العمل والدراسة"، مشيرًا إلى أن الفلسفة التعليمية هذه هي الأقرب لملامسة الواقع الفلسطيني.
وتفخر شهد بأنها وأباها طالبان في جامعة القدس المفتوحة، قائلة: "أبي مناضل، والسجن حال دون إكمال تعليمه، وها هي "القدس المفتوحة" تفتح ذراعيها لأبي ولكل الأسرى كي يكملوا تعليمهم، فمرحبًا بجامعتي التي تهتم بتلك الفئة وبالفئات المجتمعية الأقل حظًا".
محمود وشهد يتعاملان اليوم كصديقين لا كأب وابنة، فروح الشباب حاضرة بينهما، يتمتعان بسمات قيادية، وتكبر أحلامهما كل يوم، يواصلان التعليم، ويدركان أن الوطن يحتاج إلى كل جهد من أجل أن ينعتق من الاحتلال".