هل تحيل (جوجل) مكتباتنا الجامعية بيتًا للأشباح؟


نشر بتاريخ: 26-04-2016

يقال إنه لا شعور يضاهي ذلك الذي تحس به عندما تفتح كتابًا تقرأه وتشم منه رائحة الورق، وما إن تشرع بالقراءة حتى تنتقل بأفكارك إلى قصور سحرية في جبال بعيدة، أو إلى متن سفينة يقودها قراصنة من القرن الثامن عشر.

لكن، هل فقد الكتاب هيبته في عالم بات لا يتحدث غير لغة "الصفر والواحد"؟ وهل سنرى مكتبات لا يزور رفوفها غير الغبار؟
خير جليس في الزمان "جهاز"؟!
كثيرًا ما تردد على مسامعنا "وخير جليس في الزمان كتاب"، ولكن مع التطور التكنولوجي الذي غير معالم المعمورة في السنوات الأخيرة، فقد فقدت كثير من الأمور رونقها، فهل كانت قراءة الكتب واحدة منها؟ وكيف تأثرت المكتبات بهذا التطور، بخاصة المكتبات الجامعية التي كانت تمتلك محورًا رئيسًا في حياة الطالب الجامعي؟
سألت "ينابيعُ" الطالبةَ في فرع جامعة القدس المفتوحة بنابلس، إيناس بشير الحاج علي، عمّا إذا استبدلت بكتابها الورقي جهازًا لوحيًا مرتبطًا بالإنترنت، قالت: "أنا أدرس اللغة الإنجليزية، لذا فالقراءة جزء لا يتجزأ من مسيرتي الأكاديمية، وهي حقيقة من أكثر الأمور تأثيرًا على معتقداتي وشخصيتي، ولأنني أدرك أهمية القراءة فلا يمكنني أن أهجر مكتبة الفرع، كونها دائمًا متوفرة للحصول على الكتب والمراجع العلمية".
وتضيف: "لكن إذا سألتني عمّا أفضل، سأجيبك إنني من أنصار الكتاب الورقي، ربما بسبب الجانب النفسي الذي يربطني به، فله رائحة مميزة، ويشعرني بأنني قادرة على الاحتفاظ بالمعلومات لمدة أطول، فهي معلومات أستطيع أن ألمسها وأشمها وأراها في آن واحد، وهذا ما أفتقر إليه في محرك البحث العالمي "جوجل" وفي الكتب الإلكترونية، لذا من المحال أن أهجر مكتبة توفر لي الكتب الحقيقية حتى لو وجدت الكتب نفسها على الإنترنت بالمجان".
أما نجلاء خلوي، التي تدرس الإعلام في جامعة النجاح، فلا توافقها الرأي، مبينةً أن الوصول إلى مكتبة الجامعة لاستعارة كتاب يحوي معلومات منشورة على "جوجل"، ليس سوى وقت تضيعه وعمل تكابده، تقول: "ليس هذا ما يجعلني أهجر مكتبة الجامعة، فأنا أفضّل القراءة ليلاً، ولن أحتاج إلى إضاءة إضافية غير تلك توفرها الكتب الإلكترونية، وبهذا أكون قد اجتنبت تلك الإضاءة التي تفرضها عليّ الكتب الورقية، هذا بالإضافة إلى أن الكتب الإلكترونية تمكنني من الحصول على العديد من المراجع في الوقت ذاته وبسرعة كبيرة".
أما أبو عماد (72 عامًا)، صاحب متجر كتب صغير في إحدى أزقة البلدة القديمة بنابلس، فيقول: "أذكر أن طلبة الجامعات كانوا يلجأون إليّ عندما تعجز مكتبات جامعاتهم عن توفير الكتب والمصادر المطلوبة، أما اليوم فإن متجري تحول إلى مكان أشبه بمأوى للأشباح، ولا أحد يقرأ هذه الكتب سواي".

كيف تأثرت المكتبات الجامعية بالتطور التكنولوجي؟
يوضح القائم بأعمال مدير قسم خدمات المستفيدين في جامعة بيرزيت، أ. محمود مرّار، أن أهم تأثيرات التطور التكنولوجي على عمل المكتبات الجامعية يكمن في أن البيانات الببليوغرافية فيها باتت مخزنة في نظام محوسب يمكن من خلاله استخراج التقارير المالية والإدارية بسهولة وسرعة ودقة، وبعد دخول نظام الحوسبة عبر الإنترنت ساعد ذلك رواد المكتبات من طلبة وباحثين في الحصول على المعلومة بشكل أسرع وأدق.
ويضيف: "استخدام قواعد البيانات الآلية وفر مصدرًا مكملاً، وفي بعض الأحيان أساسيًا للمعلومات، وهذا أدى إلى زيادة استفادة جمهور المكتبات الجامعية من تلك المصادر الإلكترونية، وساهم في توفير المصادر المطبوعة والحيز في تلك المكتبات، وهذا كله قلل من اعتماد الطلبة والأساتذة والباحثين على موظفي المكتبة في البحث والوصول إلى المعلومة".
ويرى مرار أن التطور التكنولوجي مكمل لعمل المكتبات الجامعية، وليس منافسًا لها، مؤكدًا أن العمل المكتبي، كغيره، يتأثر حتمًا بالتطور الطارئ وبثورة المعلومات والتكنولوجيا التي تشهدها جميع دول العالم، مبينًا أنه مع تطور الأداء وتغيره يجب أن تخلق المؤسسات وسائل تردع السرقات الفكرية التي باتت أسهل بعد انتشارها وإتاحتها لكل الناس.

التكنولوجيا خفضت الميزانيات المرهقة
يقول مساعد مدير دائرة المكتبات، أمين المكتبة المركزية بجامعة القدس المفتوحة في قطاع غزة، أ. عبد الهادي أبو حسنة، إن المكتبات اضطرت سابقًا إلى توفير ميزانيات ضخمة مرهقة لتنمية مجموعاتها المكتبية وتزويدها بمصادر المعلومات الورقية، وهذا الأمر تغير كثيرًا بعد التطور التكنولوجي الطارئ.
يضيف: "لم تستطع مكتبات الجامعات على مواكبة الإنتاج الفكري الهائل في جميع مجالات العلوم، لكن باستخدام التكنولوجيا اتجهت المكتبات إلى توفير مصادر معلومات من خلال شبكة الانترنت، سواء أكانت قواعد بيانات باشتراك، أم قواعد بيانات مجانية، أم مستودعات رقمية مفتوحة المصدر. وقد أسهمت هذه الخدمات في رفع جودة الخدمات التي تقدمها المكتبات للمستفيدين، حيث يستطيع المستفيد الوصول إلى كم غير محدود من الكتب الإلكترونية والأبحاث العلمية المحكمة المنشورة في المؤتمرات العلمية والدوريات والرسائل الجامعية على مستوى العالم  وهو في مكانه". 

"التكنولوجيا لم ولن تلغي مكتباتنا"
يقول أبو حسنة: "إن التكنولوجيا لم تلغ دور المكتبات، ولن تفعل، فمهما تطور العلم والتكنولوجيا فلا يمكن الاستغناء عن الكتاب الورقي في أي حال من الأحوال، ولكن يجب أن تطرأ تغييرات جذرية جدية على آليات عمل المكتبات كي تتمكن من أن تلحق بهذا الركب التكنولوجي"، مستدلاً بتجربة "القدس المفتوحة" التي حرصت على تطوير خدماتها واستغلال التكنولوجيا بالأسلوب الأمثل والأفضل في تقديم خدماتها المكتبية للطلبة والباحثين.
فالجامعة صممت بوابة إلكترونية آمنة تقدم الخدمات للمستفيدين من خلالها، ثم واكبت الكم الهائل من المعلومات بالاشتراك في قواعد بيانات إلكترونية توفر كل ما هو جديد في  المجالات والتخصصات كافة.
ومزجت أيضًا بين مصادر المعلومات الإلكترونية والورقية، لما للمصادر التقليدية من أهمية كبيرة، فعملية تزويد المكتبات بالمصادر التقليدية مستمرة بالتوازي مع التزود بالمصادر الإلكترونية.