الجامعات الفلسطينية تسهم في دعم المشاريع الصغيرة وتوجيهها


نشر بتاريخ: 26-04-2016

إن إيجاد مشاريع صغيرة يملكها خريجو الجامعات لَطريق مجدية نحو تخفيض مستويات البطالة، ويسهم جزئياً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في فلسطين، فعلى من تتوقف مسؤولية إيجادها؟ وما دور الجامعات في توجيه الشباب نحوها؟ وما المعوقات أمام الخريجين؟ 
هذا ما تتناوله "ينابيع" في تقريرها هذا.

المشاريع الصغيرة أحد أعمدة التنمية
يقول أ. أحمد الزعارير (عضو هيئة تدريس بجامعة القدس، وعضو غير متفرغ في فرع جامعة القدس المفتوحة بالخليل): "إن المشاريع الصغيرة مهمة في التنمية وهي أحد الحلول الرئيسة للمشكلة، فلا تحتاج إلى رأس مال كبير، وإنتاجها بسيط ذو نوع عادي، وتكلفتها قليلة".
ويرى أ. عبد القادر الدراويش (عضو هيئة تدريس في كلية العلوم الإدارية والاقتصادية بجامعة القدس المفتوحة) أن "ثمة علاقة مهمة بين المشاريع الصغيرة والتنمية، ويمكننا أن نحدث تنميتنا المنشودة لولا إجراءات الاحتلال التي تحول دون ذلك".
أمّا أ. أيمن سلطان التميمي (نائب رئيس جامعة بوليتكنك فلسطين لشؤون التخطيط والتنمية، مساعد رئيس الجامعة للعلاقات العامة والدولية) فيقول: "إن ما نسبته (99%) من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم تعد العمود الفقري للتنمية، ودورها أساسي عالمياً لأن العمليات الإنتاجية فيها أسهل منها في الشركات الكبيرة". 

حل لدعم الاقتصاد المتعثر
يوضح أ. الزعارير أن "الوضع الحالي للشباب الفلسطيني الخريج لا يسهم في التنمية؛ لأن عدد الخريجين كبير ونوعيتهم لا تلبي متطلبات سوق العمل". 
ويقول أ. الدراويش إن "المشاريع تفتح آفاقاً اقتصادية أمام الخريجين، وتسهم في خفض البطالة"، داعياً إلى توجيه الشباب لتطوير قدراتهم، ومشيراً إلى أن استمرار المشاريع يرتبط بوجود مدير مبدع قادر على المنافسة في سوق محدودة وصغيرة نسبياً.
ويؤكد أ. سلطان أن المشاريع الصغيرة هي الحل الوحيد للوضع الاقتصادي المتعثر والبطالة العالية، فيجب أن نشجع الشباب نحوها، وألا نغفل دور التعليم التقني والمهني بصفته واحداً من ركائز النمو الاقتصادي.

الشباب بحاجة إلى دفعة معنوية ومادية
  يرى أ. الزعارير أن تحديد نوعية الخريجين وكميتهم مسؤولية الحكومة والقطاع الخاص، مؤكداً أن للجامعات دورها في الاستماع لهذه الاحتياجات والتركيز على التخصصات المرتبطة بها.
فيما يرى أ. سلطان أن الدور دور الحكومة، ولكن نظراً للأوضاع الصعبة وارتفاع البطالة يحتم على الجامعات التحرك لإيجاد حل للخريجين. 
وهنا يدعو أ. الدراويش الحكومة إلى دعم هذه المشاريع عبر إطلاق مبادرات تمويلية، وتوفير بيئة استثمارية مناسبة، وخلق بنى تحتية ضرورية وحوافز ضريبية وتصديرية. 
وعن طبيعة المشاريع المقبولة، يقول أ. محمد أبو مارية (ضابط إقراض في فرع مؤسسة فاتن للتنمية بالخليل): "نحن لا نرفض أي مشروع تنطبق عليه الشروط، بل نهتم بالقطاع الزراعي ونشجع المزارع الفلسطيني من خلال تخفيض سعر الفائدة نظراً لوضعه الصعب".

دور الجامعات دور تأهيليّ فقط
يقول أ. سلطان إن دور الجامعات أساس في تعزيز الوعي بين الخريجين، وفي نشر ثقافة الريادة، والانتقال من التلقين إلى الأسلوب الريادي، وتنمية المهارات الحياتية والريادية، مبيناً أن دورها أيضاً يكمن في طرح مساقات تدريبية، وتهيئة البيئة الحاضنة للمشاريع من خلال وجود حاضنات أعمال داخلها، وخلق أفكار تجارية، والتشبيك اللازم لتمويل المشاريع، والإرشاد والتوجيه لعمل مشاريع ناجحة.
فيما يرى أ. الزعارير أن دور الجامعات في إكساب المعرفة والمهارة وتوجيه الطلبة نحو نوعية المشاريع الأكثر نجاحاً دور ثانوي تأهيلي لا غير.
وفي ذلك، يقول أ. الدراويش: "نسعى إلى توعية الطلبة بأهمية المشاريع الصغيرة عبر البرامج الأكاديمية، وتعريفهم بماهيتها وخصائصها ومشكلاتها، ثم تزويدهم بالمعارف العلمية والأساليب الحديثة لصياغة الخطط والدراسات الفنية والمالية والإجراءات القانونية اللازمة، ونعلمهم كيفية قياس البدائل المتاحة أمامهم، بالإضافة إلى أنشطة التوعية وورشات العمل".

على الجهات تحديد المشاريع التي تحتاجها السوق
يقول أ. الزعارير: "يجب على الجهات الحكومية والقطاع الخاص البدء أولاً من سوق العمل وحصر ما تحتاجه من المشاريع الصغيرة وتوفير التسهيلات الكفيلة لإنجاحها، وبعد ذلك يفرض على الجامعات تعديل الخطط الدراسية. أما على الصعيد العملي فيجب أن يكون هناك تنسيق بين القطاعين الخاص والحكومي والجامعات، وهو-إن وجد-يجب أن يعزز أكثر"، مشيراً في حديثه إلى البرنامج الثنائي الذي تطرحه جامعة القدس.
وعلى الصعيد النظري، يقول أ. سلطان: "إننا بصدد تعديل في أساليب التدريب، ونحاول التمحور حول الطالب بإدراج مساقات جديدة تتعلق بالمهارات الحياتية لكل التخصصات، وتأسيس حاضنة للأعمال داخل الجامعة لتبني الأفكار، وقد استحدثنا (مركز الابتكار ونقل التكنولوجيا وريادة الأعمال) بهدف تبني الأفكار التجارية مع القطاع الخاص".

لا تمويل للخريجين
يبين أ. الزعارير أن البنية التحتية للمشاريع غير مناسبة، وأن غياب التمويل وافتقار المساندة لصاحب المشروع وعدم حماية الصناعات من غول السلع المستوردة، تعد من أهم المعوقات أمام الخريجين الذين يسعون إلى تأسيس مشاريعهم الخاصة.
فيما يرى أ. أيمن سلطان أن المشكلة تكمن في ثقافة "الخوف من المستقبل"، ما يمنع الشباب من تجريب أفكار إبداعية جديدة. ثم إن العقبات القانونية أمام إقامة المشاريع، وانعدام التمويل لتطوير الأفكار، وعدم الانفتاح على الأسواق الخارجية، وضعف المهارات التسويقية، وانعدام التواصل مع المؤسسات المساندة المهتمة بتطوير الأفكار والأعمال الإبداعية، كلها تحد من سعي الخريجين لتحقيق إنجازاتهم.

(10%) فقط من الخريجين اتجهوا نحو المشاريع الخاصة
يبين أ. الزعارير أن قلة من الخريجين اتجهوا نحو العمل الخاص، وأن كثيراً منهم يعمل في تخصصات مغايرة لما درسوه في جامعاتهم.
وتعقيباً على هذا، يشير أ. سلطان إلى أن (10%) من خريجي الجامعة اتجهوا نحو المشاريع الصغيرة، وأن هذه المشاريع حتى الآن غير ناضجة وتحتاج إلى الرعاية، موضحاً أن الجامعة تحاول التواصل مع أصحابها وتوفير ما يحتاجونه من إمكانات بغية التطوير والاستمرارية. 
ويوضح أ. الدراويش أن عشرات من الطلبة بادروا بالقيام بمشاريعهم، وجهودهم هذه تكللت بالنجاح والتطور، ولكنها ما زالت بحاجة إلى تكاتف الجهود الوطنية، بهدف إعداد رياديين من رجال الأعمال الصغار الذين يمثلون رصيداً بشرياً واعداً للمشاريع الكبيرة. 
ويبين أ. أبو ماريا أن المشاريع الصغيرة عصب الاقتصاد، لتنوعها وكثرتها، بينما نسبة الخريجين الذين يعملون في ذلك محدودة، بسبب رغبة هؤلاء في البحث عن وظيفة، ولكن سرعان ما يعدلون عن رغباتهم تلك حين يرون أن مستقبلهم أفضل في امتلاك مشروع صغير.

معظم المشاريع محالّ تجارية وهي أكثر ربحاً من الوظائف
يقول أ. أبو مارية: "إن المشاريع تتنوع في مختلف القطاعات، ولكنها في الخليل تتوجه نحو القطاع التجاري، فمعظم المقترضين يتجهون إلى فتح محال تجارية، والصعوبة عندهم في توفير الدعم المالي".
يقول الخريج في كلية الزراعة بجامعة القدس المفتوحة، سعد يحيي القواسمة: "أسست مشروعي هذا (إنتاج نبات زينة وأشتال خضار، واستيراد مواد زراعية من الخارج وبيعها في السوق المحلية) بناءً على تخصصي العلمي وخبرتي العملية. ودراستي في الجامعة أكسبتني المدارك والمفاهيم العلمية، لكني واجهت صعوبة في الإجراءات القانونية والرسمية، فضلاً عن المخاطرة العالية لمشاريع القطاع الزراعي، ولكن دخل مشروعي هذا أفضل من الوظيفة". 
ويبين الخريج في كلية الزراعة بجامعة القدس المفتوحة، صالح عطاونة، أن تدني فرص العمل للمهندس الزراعي دفعته باتجاه بناء مشروع خاص يتناسب مع دراسته، فكانت الجامعة نقطة الانطلاق نحو طرح الأفكار والاقتراحات التي تصلح لأن تكون مشاريع عملية وتطبيقية تؤدي إلى نتائج إبداعية، فيما شكل الدعم المادي والتمويل العقبة الكبرى أمامي.
يجمع كثيرون على أن دور الجامعات العملي مقتصر على التوعية والتأهيل والتدريب في مساندة الخريجين وحثهم على إنشاء المشاريع، وبهذا تعد الجامعات جزءاً من حل مشكلة البطالة، خاصة تلك الجامعات التي ترفد السوق المحلية بخريجين ذوي تخصصات تقنية ومهنية، ولكن الدور العملي الأكثر تأثيراً يبرز في تحديد احتياجات السوق من الكوادر البشرية التي تحقق التنمية الاقتصادية في ظل الأوضاع الراهنة، وهذا ما يقع على عاتق الجهات الحكومية والقطاع الخاص.