منى الششنية: نهضت من بين الركام وحاربت بضراوة من دون سلاح


نشر بتاريخ: 31-10-2015

عندما قصف الاحتلال الإسرائيلي بيتها في المرة الأولى، لم تؤمن منى أنها ستقف على رجليها مرة أخرى، لكنها قرّرت أن تزيل الركام عن أحلامها وتمضي نحو ما كانت تخطط للحصول عليه.
    ولدت الدكتورة منى نمر أنيس الششنية بتاريخ 11/4/1969م في مخيم البريج، لعائلة هاجرت من مدينة يافا المحتلة، ثم تزوجت من ابن عمها المناضل والقائد الفتحاوي زهير صلاح الششنية، وهو أحد مؤسسي الشبيبة وقياداتها، وتحرر من قيده في صفقة "وفاء الأحرار" بعد أن أمضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي (22) عاماً، ليعود إلى مقاعد الدراسة بتشجيع من زوجته منى، وهو الآن يوشك أن يتخرج في جامعة الأزهر بغزة.
    أنجبت منى ابنتها الأولى فاطمة عام 1988م، وبعد عامين رُزقت بابنتها داليا، ثم صلاح. بعد فترة، حكم على زوجها بالمؤبد في سجون الاحتلال، فحرصت على أن تدير بيتها وتعلم أبناءها الاعتزاز بأبيهم وتذكرهم به كل حين لأنه رمز النضال، فربتهم على التضحية وحب الوطن.
    لم يكن صدور الحكم بالسجن المؤبد على زوجها آخر مصاعبها، فقد قصف الاحتلال الإسرائيلي بيتها، ما اضطرها وأولادها إلى المغادرة تاركين وراءهم كل شيء إلا ملابسهم، وسكنت بيت أهلها عاماً كاملاً.
  انتقلت منى وأطفالها لتعيش مع عائلة زوجها، حينئذ قررت أن تكمل دراستها كي تبتعد عن حالة الضياع والتشتت النفسي. استطاعت في العام 2001م أن تنال بتفوق شهادة البكالوريوس في تخصص الخدمة الاجتماعية من جامعة القدس المفتوحة، تقول: "لن أنسى-ما حييت-فضل جامعة القدس المفتوحة، فهي المؤسسة الوحيدة التي أمدتني بوظيفة ومنحتني هذه الفرصة التي طالما انتظرتها وحلمت بها، فالتحقت بصفوف عامليها في وقت كنت فيه ضعيفة وبأمس الحاجة". 
بعد عام من تخرجها، بدأت عملها باحثةً اجتماعية بفرع "القدس المفتوحة" في الوسطى، بدا لها أن الحياة تبتسم، قبل أن تكشّر عن أنيابها بهدم الاحتلال بيتها مرة أخرى، على الرغم من ذلك لم تيأس، فتجاربها السابقة أمدتها بالقوة والإيمان، وستحيل هذا الدمار بعثاً آخر، تقول: "جامعة القدس المفتوحة وقفت إلى جانبي خلال محنتي هذه، ولم تتخل عني، بل إن تجربتي فيها، دراسة وعملاً، حثتني على مواصلة دراستي العليا، فنلت شهادة الماجستير في تخصص علم الاجتماع من القاهرة عام 2006م، وكانت رسالتي بعنوان: "التحولات الثقافية وانعكاساتها على ظاهرة العنف ضد المرأة".   
تضيف أيضاً: "مرت بي السنين والألم يعتصر قلبي، والقهر يحاصرن من كل جانب، فكنت أنا الأم والأب في آن واحد، ولكن لم تتوقف طموحاتي، لذا اجتهدت لأنال درجة الدكتوراه، فالتحقت بمعهد البحوث والدراسات العربية لأثبت لنفسي ولمن هم حولي أنه لا يمكن للقهر والحرمان وكل أشكال المعاناة أن تهزم إرادتي نحو تحقيق أهدافي في مواصلة مسيرتي العلمية".
تتحدث منى بمرارة وتقول: "رغم قسوة الحياة، علَمت أبنائي وأوصلتهم إلى بر الأمان فأنهوا تعليمهم الجامعي، ثم تزوجوا ولي منهم الآن حفدة.
  حين دقت طبول الحرب على غزة، تجددت معاناتها بحين تلقت اتصالاً من مشرفتها تخبرها فيه بوجوب الحضور إلى مصر لمناقشة رسالة الدكتوراه، إذ إن كل شيء مهيأ لذلك. لكن منى تلقت صفعة أخرى، عندما علمت أن ابنها قد أصيب أثناء الأحداث الدامية بالقطاع بإصابة خطرة حرجة تهدد حياته، نقل على إثرها إلى مصر لتلقي العلاج، وبعد أن أجريت له عمليات كثيرة هناك، اتصلت بمشرفتها تخبرها أنها موجودة مع ابنها المصاب في أحد مشافي القاهرة. 
  تقول منى: "في الوقت الذي كنت أعتصر ألماً على سماع آهات ابني الذي تقلبه آلامه على سريره، كنت أجري تلك التعديلات التي تستدعيها رسالتي. أمران أحلاهما مر: أمر ابني الذي يعاني ألم إجراء العمليات في المشفى من ناحية، والتهيئة لمناقشة الدكتوراه التي باتت تراودني ليل نهار من ناحية أخرى".
لكنها لم تكن لتتخلى عن هذا الطموح وترميَ بعرض الحائط كل تلك الدموع والتعب الذي كرسته لنيل درجة الدكتوراه. نعم، استطاعت منى بعزيمتها وقوة إرادتها أن تروض كل الصعاب لتنال درجة الدكتوراه بامتياز في تخصص علم الاجتماع، بإعدادها رسالة حملت عنوان: "واقع المرأة الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي".
وتختم قولها: "لي الفخر بأنني من جامعة القدس المفتوحة، جامعة الكل الفلسطيني، فأنا شاكرة لرئيسها أ. د. يونس عمرو، ولنائبه لشؤون قطاع غزة د. جهاد البطش، على دعمهما السخي الذي حصلت عليه منذ توظيفي حتى الآن، فالجامعة لم تدخر جهداً في دعمي مادياً ومعنوياً وإدارياً وأكاديمياً، ثم إنها لا تبخل على أولادها وبناتها، بل تجود بالفضل على المجتمع بكل شرائحه، وتبادر بكل ما هو خير لرفعة العلم والتعليم لتخريج أناس ينفعون أسرهم ووطنهم".