أحد أعضاء اللجنة العلمية المشرفة على برنامج "القدس المفتوحة" لتعليم الأسرى داخل سجون الاحتلال جميل عوض... قصة نجاح نسجت خيوطها داخل الأسر وخارجه


نشر بتاريخ: 21-03-2022

 

يطا-ينابيع-ماجد الجبريني- قد تنتاب الأسرى حالة من الإحباط والضياع بداية اعتقالهم، معتقدين أن حياتهم الأكاديمية ضاعت بعد الاعتقال، وتساورهم ظنون حول المستقبل المجهول الذي يخلو من الأمل والتطلعات نظراً للحياة الصعبة داخل السجون، لا سيما أن حالة الأسر تبعدهم عن أسرهم وذويهم، لكن إيمانهم بعدالة قضيتهم تجعلهم أكثر مثابرة وإصراراً على هزيمة المستحيل، فلا يصبح الأسر نهاية للحياة، بل مرحلة تفتح فيها الأبواب للاستجابة لتحديات الواقع  داخل السجن، ولا سيما استثمار الوقت بكل عزيمة وإصرار.
تشكل جامعة القدس المفتوحة بارقة أمل للأسرى، واستطاعت بعد جهد جهيد ونضال متواصل بمجلس أمنائها ورئيسها، تجسيد رسالة الجامعة الوطنية كونها جامعة الكل الفلسطيني، والبرهنة على أنها جامعة نصيرة للفقراء والشهداء والأسرى. وبهدف رفع معنويات الأسرى وزرع الأمل في نفوسهم، سطرت الجامعة خطى واثقة تجاه برنامج تعليم الأسرى، وأصبح التعليم والحصول على الدرجة العلمية هدفاً أساسياً لهم، سواء الحاصلون على الثانوية العامة قبل السجن، أو أولئك الذين تقدموا لامتحان الثانوية العامة داخله. علماً بأن حصول الأسير على درجة البكالوريوس داخل السجن لا يعتمد على العشوائية أو التعاطف معه، بل هو برنامج يتميز بحالة ضبط عالية، يعتمد على التخطيط والمتابعة والإشراف بشفافية ليكون حقيقياً وواقعياً وذا مصداقية. وهنا تبرز قصص النجاح وحالات التميز والإبداع. 
ويعدّ أ. جميل خليل عوض، الذي أنهى حكماً بـ (17) سنة في سجون الاحتلال، حالة من حالات التميز والإبداع، إذ أصبح عضواً في اللجنة العلمية المشرفة على برنامج تعليم الأسرى، وإحدى قصص النجاح بعد الإفراج عنه.
يحمل أ. عوض شهادة البكالوريوس في المختبرات الطبية، وزاول المهنة في مختبر خاص يعود إليه، وكانت لديه رغبة في رفع مستواه العلمي من خلال الحصول على شهادة بكالوريوس ثانية لكن في تخصص آخر، فقرر الالتحاق بجامعة القدس المفتوحة، لأن نمط التعليم الذي تتبناه يتيح للطالب المواءمة بين الدراسة الجامعية والعمل. لم يحالفه الحظ في إكمال دراسته بـ"القدس المفتوحة"، بسبب اعتقاله من قبل قوات الاحتلال في 31/10/2002.
قضى أ. عوض فترة حكمه، حاله حال أي أسير فلسطيني يقبع في سجون الاحتلال، ويؤكد قائلاً: "بدأ التحول الكبير داخل سجون الاحتلال نحو الاتجاه الإيجابي في العام 2013 عندما اعتمدت جامعة القدس المفتوحة برنامج تعليم الأسرى" ليحصلوا على الدرجة العلمية الأولى (البكالوريوس)، مضيفاً: "البرنامج أدخل البهجة والسرور على قلوب الأسرى وذويهم، فقد وفرت لهم جامعة القدس المفتوحة فرصة استثمار الوقت وتنظيمه داخل السجون من خلال انخراطهم في برنامج تعليم الأسرى للحصول على درجة البكالوريوس".
إن إتاحة "القدس المفتوحة" فرصة انخراط الأسرى في هذا البرنامج داخل السجون تشكل قيمة معنوية عالية لهم تجاه إحساسهم بقيمتهم الذاتية، واكتسابهم حالة شعورية عالية ترفع من معنوياتهم داخل السجون؛ فهم اليوم يرسمون حياتهم ويهيئونها لما بعد انقضاء فترة حكمهم والإفراج عنهم من سجون الاحتلال، علاوة على الأثر الإيجابي الكبير في نفوس أسرهم وذويهم.
 وفي ضوء هذا التصور، يؤكد أ. عوض "أهمية اعتماد برنامج تعليم الأسرى، لأنه يختصر الوقت لما بعد الإفراج عنهم، فقد أنهوا هذه المرحلة داخل السجن، وسينخرطون في سوق العمل حال الإفراج عنهم".
يعتبر أ. عوض حالة متميزة، ويؤكد أنه أصبح عضواً في اللجنة العلمية المشرفة على برنامج تعليم الأسرى في سجن "ريمون" على مدى (3) سنوات، وكان عدد الأسرى الملتحقين بالبرنامج (50) أسيراً، كما كان أيضاً عضواً في لجنة أخرى في سجن النقب على مدى (3) سنوات، وكان عدد الأسرى الملتحقين بالبرنامج هناك (93) أسيراً، مبيناً أهمية البرنامج للأسرى الذي أصبح يطلق عليه (فرع السجون) تيمناً بفروع الجامعة المنتشرة بالوطن"، مبيناً أن مهمات اللجنة تمثلت في "التواصل مع الجامعة من قبل المسؤول المخول، والإشراف على البرنامج بموجب الخطة الدراسية المطبقة بالجامعة على نحو كامل، وتوفير متطلباته من قرطاسية واحتياجات أخرى، ومتابعة العملية التعليمية من إعطاء المحاضرات، ووضع الأسئلة، وعقد الامتحانات والمراقبة عليها، وآلية تصحيح أوراق الإجابة وترصيد العلامات، والإعلان عن أسماء الخريجين الذين أنهوا المقررات بموجب الخطة الدراسية؛ لأن إدارة السجون كانت ترفض إقامة حفل للخريجين داخل السجن".
يؤكد أ. عوض أهمية المرحلة التي كان فيها عضواً في اللجنة العلمية المشرفة على برنامج "القدس المفتوحة" لتعليم الأسرى في سجني "ريمون" و"النقب"، إذ مثلت له نقلة نوعية على صعيده الشخصي من جوانب عديدة، يقول: "تعلمت الكثير خلال عضويتي في اللجنة المذكورة، وتمكنت من تطوير قدراتي وتنميتها، ورفعت كفاءتي العلمية والعملية، واكتسبت مهارات متنوعة"، مبيناً أهميتها لمرحلة ما بعد انتهاء فترة الحكم وخروجه من السجن حراً: "إنها مرحلة تؤسس لما بعدها. إنها تشكل قصة نجاح سأعيشها بعد خروجي من الأسر".
وحانت لحظة الحرية، لحظة يتمناها كل أسير بعد انتظار طويل بأن يرى النور، مفارقاً ظلمة السجن وظلم السجان له، لا لشيء إلا لكونه فلسطينياً يحب وطنه وأرضه ويعشق الحرية مثل أي شعب آخر على هذه الأرض. إنه 30 من تشرين الأول في العام 2019 الذي يشكل يوماً فارقاً في حياة الأسير عوض، إنه يوم الحرية، حيث خرج من سجون الاحتلال مبتسماً ومستقبلاً الدنيا بحلتها الجديدة، متطلعاً إلى العيش الكريم في كنف عائلته وذويه وممارسة خبرته ومهاراته التي اكتسبها داخل السجن، كونها تشكل إحدى قصص النجاح.
أصبح أ. عوض يمارس ما اكتسبه من خبرة ومهارات وهو في السجن في حياته العملية، مؤكداً من خلال التطوع في الفعاليات والنشاطات التي ينفذها "التوجيه السياسي" المخرجات الإيجابية من حيث إدراك الذات، واستثمار الوقت، والقدرة على إدارة جلسات الحوار، وفن الحديث وإلقاء المحاضرات، والتفاعل مع الحضور في الإجابة على استفسارات الحضور".
يشكل أ. عوض نموذجاً متميزاً لإحدى قصص النجاح؛ كونه أحد أعضاء اللجنة العلمية المشرفة على برنامج تعليم الأسرى داخل السجون، ليصبح محاضراً يقدم المحاضرات والندوات التوعوية والتثقيفية لطلبة الجامعات والمدارس والعاملين في المؤسسات، مؤكداً أن الفضل في ذلك يعود لجامعة القدس المفتوحة، مثمناً جهود مجلس أمناء الجامعة، وإدارتها ممثلة برئيسها أ. د. سمير النجدي، وهيئتيها الأكاديمية والإدارية، وطواقمها الفنية التي تبرهن دائماً على رسالتها الوطنية من خلال اعتماد برنامج تعليم الأسرى داخل سجون الاحتلال، وكذلك اهتمامها بجميع أبناء الشعب الفلسطيني بشرائحه كافة، مجسدة شعار (جامعة في وطن ووطن في جامعة).