تزوير الجغرافيا وتشويه التاريخ في الكتب المدرسية اليهودية.. صورة فلسطين أنموذجًا


نشر بتاريخ: 17-02-2019

أ‌. د. عمر عتيق
   تطرح المقالة أربعة أسئلة تناقش جناية التعليم في المدارس اليهودية على فلسطين من حيث تزوير الجغرافيا وتشويه التاريخ. 
السؤال الأول: هل طرأ تغيير على محتوى الكتب المدرسية انسجامًا مع روح اتفاقيات السلام المزعومة التي وقعها الكيان الصهيوني مع أطراف عربية؟ 
لم يجر على الكتب المدرسية تطوير جوهري تقتضيه المتغيرات السياسية والاجتماعية أو الأعراف والقوانين الدولية، ويعود سبب الجمود إلى ارتباط التعليم بالخطاب الديني التوراتي الذي يزعم أن فلسطين هي الأرض الموعودة لليهود الذين يرون أنفسهم الشعب الذي اختاره الرب، وأن فلسطين أرض بلا شعب منحها الرب لشعب بلا أرض.. "إن من يعتقد أن تغييرًا جديًا طرأ على كتب التدريس منذ عام 1953 وحتى اتفاقية أوسلو، تكون خيبة الأمل من نصيبه.
السؤال الثاني: هل يوجد صدى لمقولة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) في الكتب المدرسية اليهودية؟ 
     تسرب الإنكار إلى متون كتب التاريخ التي لم يجد مؤلفوها حرجًا من تحويل الافتراء إلى تزوير تاريخي، ففي كتاب "مواضيع مركزية في تاريخ الشعب والدولة إبان العصور المتأخرة"، يقول مؤلفه أمنون حيفر: إن كل الأقوال بخصوص الحقوق التاريخية التي يدور عليها النقاش بيننا وبين العرب ما هي إلا تزييف للحقيقة، وناجمة عن قلة الفهم وشح المعرفة والدراية بتاريخ الاستيطان اليهودي في "أرض إسرائيل"... الحقيقة هي أنه عندما أتينا إلى هنا في العصر الراهن لم نلق أي شعب.. ولم يقم العرب في "أرض إسرائيل" البتة، ولم يُنشئوا البتة حكمًا محليًا، ولم يبنوا ثقافة أو لغة أو قومية متميزة.
    وفي وصف الهجرة الأولى في كتب التاريخ والجغرافيا تجاهل تام لوجود العرب في فلسطين؛ فاليهود وصلوا إلى أرض قاحلة خربة لا يسكنها شعب، وفي هذا تعزيز للمقولة الصهيونية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وفي كتاب "تاريخ شعبنا في الزمن الجديد"، يقول شموئيلي: بينما وجد المهاجرون إلى الولايات المتحدة أرضًا مزدهرة، فإن المهاجرين إلى "أرض إسرائيل" وصلوا إلى بلاد خالية خاوية. 
  إن الربط بين المهاجرين الأوروبيين إلى أمريكيا والمهاجرين اليهود إلى فلسطين يتضمن اعترافًا بالمسؤولية الأخلاقية التاريخية، لأن المهاجرين الأوروبيين أبادوا شعب الهنود الحمر وقضوا على مظاهر حضارتهم وثقافتهم، وكذلك يسعى اليهود إلى طرد الفلسطينيين من فلسطين أو قتلهم وترويعهم كي يضطروا للنزوح، وإلى طمس معالم الحضارة العربية ومظاهر الثقافة والتراث في فلسطين. 
السؤال الثالث: كيف يبدو تزوير جغرافية فلسطين في الكتب المدرسية اليهودية؟ 
يشترك المؤلف والمدرس في تسويق تزوير جغرافية فلسطين؛ فالأول يكتب ويزور، والثاني يتبنى التزوير منهجًا في التعليم، فمعلمو كتب الجغرافيا كانوا طليعة المزورين لإلغاء فلسطين من تلك الكتب، وإلغاء الهوية الفلسطينية. 
    ويقترب التزوير من الخرافات، فمثلًا يرد في كتب الجغرافيا أن الرومان أرادوا محو اسم اليهود من بلادهم، وأطلقوا اسم فلسطين على أرضنا نسبة إلى "البلستيم" القدماء! 
وما زالت الخرائط الجغرافية في الكتب المدرسية والموسوعات تشير إلى الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتظهر فيها التجمعات السكانية اليهودية في زمن الهجرة اليهودية والمستوطنات الجديدة، وتتجاهل تلك الخرائط أسماء المدن والقرى العربية بهدف إظهار فلسطين قبل هجرة اليهود إليها خالية من الوجود الفلسطيني، وأن فلسطين كانت أرضًا مقفرة. ففي خرائط "أرض إسرائيل" تتوزع الأراضي وفق المفاتيح والتسميات الآتية: ملكية يهودية، ملكية حكومية، ملكية أخرى. 
وتُقحم الكتب المدرسية خرائط تعليمية مؤسسة على مقولات توراتية، تمنح اليهود وجودًا جغرافيًا ممتدًا من نهر الفرات إلى البحر المتوسط، وبهذا التحديد والامتداد المؤسس على الفكر التوراتي تتلاشى قيمة القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ويُصبح ما يُسمى "مفاوضات" دورانًا في حلقة مفرغة، لأن مخرجاتها عبثية، ولا يحتاج هذا الفراغ والعبث إلى دليل؛ إذ إن ربع قرن من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أدت إلى تكثيف الاستيطان وغياب أفق الحل السياسي المزعوم.
السؤال الرابع: كيف تصف الكتب المدرسية اليهودية حق العودة، عودة اللاجئين إلى فلسطين؟ 
    اختلقت الصهيونية "عودة مضادة" لحق العودة الفلسطيني؛ فحرصت التربية الصهيونية على تنشئة جيل يؤمن بأن الأرض الموعودة هي روحية ومادية معًا، فلا يمكن لليهودي أن يدخل الأرض الموعودة الروحية ما لم يدخل الأرض الموعودة المادية (إسرائيل)، ولهذا الهدف أشاعوا في خطابهم الثقافي أن اليهود لم يفارقوا "أرضهم" بل أخذوها معهم في المنفى. وتعزيزًا لمفهوم العودة المضادة أو العكسية تزعم الكتب المدرسية أن الحياة اليهودية في فلسطين لم تنقطع منذ أيام الرومان، وأن (إسرائيل) أنشئت في بلاد قطنها المحتلون والغزاة العرب منذ ألف وثلاثمئة سنة، وأن عودة المهجرين اليهود من أنحاء العالم كافة إلى فلسطين لا تعدّ هجرة غرباء، بل عودة إلى "أرض الوطن التاريخي"، باعتبار اليهود السكان الأصليين الذين ظلوا بعيدين عنها طوال العهود السابقة. فتزعم أن مأساة اللاجئين فعل من أفعال القدر غير مرتبطة بخطة التطهير العرقي، ولا تتحمل (إسرائيل) مسؤوليتها، بل تتحملها الدول العربية التي امتنعت عن السماح للفلسطينيين النازحين بالاندماج في المجتمعات العربية، في حين أن (إسرائيل) استوعبت اللاجئين اليهود الذين (طردوا) من الدول العربية.