كيف تسهم الخدمة الاجتماعية في تجنب الناس متلازمة القلب المنكسر (تاكوتسيبو)


نشر بتاريخ: 17-02-2019

 
أ. نظمية حجازي * 
تعدّ مهنة الخدمة الاجتماعية من أهم المهن في المجال الحياتي، فهي مهنة متخصصة تهدف إلى إسعاد الناس وتحقيق مستوى متقدم من الرفاهية لهم في مختلف مجالات الحياة، بدءاً من المجال الأسري، مروراً بالمجال المدرسي والعمالي والصحي، مستخدمة في ذلك أساليب مقننة لتحقيق هذا الهدف السامي. 
وبما أن الخدمة الاجتماعية، وخاصة طريقة خدمة الجماعة، تستخدم الجماعات كوسيلة لتنمية الشخصية وتحقيق التكيف الاجتماعي للفرد من خلال عملية التفاعل واستثمارها للعلاقات المتبادلة التي توفرها الجماعة لتحقيق الأهداف الخاصة بكل عضو فيها، وكذلك تحقيق أهداف الجماعة في النمو والتطور لتحقيق الهدف العام وهو إصلاح المجتمع.. فمن المؤكد أن الجماعة تؤثر على أفرادها في جميع خصائصهم التكوينية الجسدية والعقلية والنفسية، فهي تؤثر في طموحهم وأسلوب تفكيرهم وإصدار أحكامهم وإطلاق انفعالاتهم، كل حسب درجة التأثير التي يتعرض لها من الجماعة.
وكذلك تدرس الخدمة الاجتماعية المجتمع المحلي بما فيه من إمكانيات مادية وبشرية وقيم وعادات وتقاليد تؤثر في الأفراد محاولة تسخير كل ذلك من أجل سعادة الإنسان. ولأن سعادة الإنسان تكمن في مدى ما يتمتع به من صحة عامة تتمثل في حالة التوازن النسبي لوظائف الجسم وما ينتج عنها من توازن ومن تكيف الجسم مع العوامل الضارة التي يتعرض لها، إضافة إلى حالة السلامة والكفاية البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة، ولا تنحصر فقط في الخلو من المرض أو العجز.. لذلك جاءت هذه المقالة لمعرفة إسهامات الخدمة الاجتماعية في التخفيف من التعرض للإصابة بمتلازمة القلب المنكسر (Takotsubo).
عمّ يعبر هذا المصطلح؟
يشعر الأفراد أحياناً بأن قلوبهم ستتوقف عن العمل فيشعرون بألم مفاجئ في الصدر، وقد يعتقدون أنهم أصيبوا بنوبة قلبية حادة فيروا وكأنهم يحاولون الإمساك بعضلة القلب دليلاً على شعورهم بشدة الألم، إلاّ أن الطب لم يشخص ذلك بنوبة قلبية رغم تشابه الأعراض، بل على العكس، فقد بينت نتائج الفحوص الإكلينيكية أن المصابين بمتلازمة القلب المنكسر تبدو لديهم الشرايين التاجية سليمه تماماً لا ضيق فيها ولا معالم جلطة، ورغم ذلك فإن الملاحظة الدقيقة الموثقة بالأبحاث الطبية المعملية المختلفة تؤكد أن هناك مؤشرات حقيقية للمعاناة والألم، وأن هناك فترة تعاني فيها عضلة القلب من نقص في الدم الوارد إليها، ما يحدث تلفاً في خلاياها ويقودها إلى فشل مؤقت في أداء مهامها على الرغم من أن الأمر يبدو محيراً للغاية في وجود شرايين سليمة لا أثر فيها لضيق أو اختناق!
فما الذي يحدث؟ 
غالباً ما نقول: فلان كسر قلبي، وهو تعبير مجازي يعبر عن حالة معنوية، فالقلب لا يكسر، ويحدث ذلك نتيجة لسوء العلاقات الاجتماعية والعاطفية بين الناس، وهذا الألم ما هو إلاّ نتيجة حتمية لآلام عاطفية ذات خبرة سيئة أو معاناة نتيجة لحالة الفقد والحرمان، وقد تكون موجة حادة من هرمونات التوتر والقلق، مثل الأدرينالين والكورتيزول التي قد تسبب تلفاً مؤقتاً في قلوب البعض. 
من هم الأشخاص المعرضون للإصابة بمتلازمة القلب المنكسر؟
الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بهذه المتلازمة هم غير القادرين على التكيف النفسي والتوافق الاجتماعي بعلاقاتهم مع غيرهم من الناس الذين يحتكون بهم بصورة مباشرة ومستمرة، فهذه العلاقات الاجتماعية تشكل الروابط والآثار المتبادلة بين أفراد المجتمع، والتي تنشأ عن طبيعة اجتماعاتهم وتبادل مشاعرهم وأحاسيسهم في بوتقة المجتمع، كما أن هذه العلاقات تتاح من خلالها للأفراد الذين يتصل بعضهم ببعض أن يؤثر كل منهم على الآخرين ويتأثر بهم في الأفكار والأنظمة والمشاعر على السواء. 
وتسعى الخدمة الاجتماعية، وخاصة طريقة خدمة الجماعة، إلى إعداد جماعات المجتمع ليكونوا أسوياء في التصرف مع الآخرين، فهي تساعد في عملية التنشئة الاجتماعية وتعمل على غرس القيم الإنسانية المتضمنة أخلاقية التفكير التي تساعد الناس في تجنب الخطأ في التعامل مع الآخرين وإرشادهم إلى الاستخدام الأمثل لتفاعلاتهم الاجتماعية مع من حولهم، فهي تترجم مبادئها الأساسية وقيمها الأخلاقية إلى عواطف وسلوك. إن التعامل الصادق مع الآخرين يعكس الهدوء والطمأنينة لدى كل فرد من أطراف العلاقة، ويدعم البناء الاجتماعي السليم للمجتمع. ثم إن مهنة الخدمة الاجتماعية تعمل على صقل شخصيات أفراد المجتمع وتزويدهم بالمهارات الحياتية والاجتماعية التي تساعدهم على إقامة علاقات اجتماعية ناجحة، بما يكفل لهم احترام مشاعرهم وطبيعة تفكيرهم ومستوى ذكائهم، دون أن يسببوا الأذى ومشاعر الضيق للآخرين، مستخدمة في ذلك العديد من الاستراتيجيات، مثل: 
1. استراتيجية المشاركة الوجدانية: ويقصد بها أن يقدر الأفراد بعضهم بعضاً، وإشاعة جو من التعاطف والإحساس الجماعي المشترك بينهم عن طريق مناقشة متطلباتهم النفسية والعاطفية ومشاركتهم فيما يمرون فيه من ضغوط ومخاوف. 
2. الوضوح: يقوم على فكرة أساسية، وهي إيصال وجهة نظرك إلى الآخرين بما يتناسب مع مستوى التفكير لديهم مستخدماً في ذلك تداولية التعبير.
3. الواقعية: كن واقعياً في الأفكار التي تطرحها على من حولك ليسهل عليهم فهم المعلومات أو المشاعر التي تريد إيصالها لهم. 
4. الإقناع: استخدام الإقناع المنبثق من المنطق حينما تطلب من الآخرين تفهم وجهة نظرك بموضوع معين، وهذه الاستراتيجية ليست بالنقيض مع فنية المكاشفة والمصارحة، بل هو استخدام المصارحة فعلاً عندما تتأكد أن الطرف الآخر وصل إلى مرحلة النضوج لتقبل رأيك.
5. كن لطيفاً جداً واختر الكلمات التي تلامس المشاعر، ولا تحاول فرض رأيك على الآخرين مهما كنت على حق، واتبع كلام سيدنا عليّ رضي الله عنه "لا تكن ليناً فتعصر، ولا تكن قاسياً فتكسر".
* عضو هيئة تدريس – فرع طوكرم