التوجيه الإداري والعلاقات الإنسانية في النظم التربوية


نشر بتاريخ: 17-02-2019

د. ناصر جاسر الأغا*
 
 
في علم الإدارة حقيقة تنص على أن التوجيه الإداري الفعال يتحقق من خلال القيادة الفعالة
"Ability to lead effectively is essential to effective direction"
 مما لا شك فيه أن التوجيه الإداري يهتم بمعالجة القضايا التي تظهر في النظم بشكل عام وفي النظم التربوية بشكل خاص بين العاملين، وذلك بهدف تنسيق الجهود من أجل بلوغ الغايات والمرامي المرسومة بدقة. ولذلك فإن الأدب الإداري أوضح منذ زمن أن التوجيه الإداري يتصل مباشرة بإدارة السلوك الإنساني، وهو الإدارة التي عن طريقها تحقق المنظومة أهدافها المنشودة بأقل التكاليف، وهذا ما عبر عنه عالم النفس والاجتماع وعلوم الحاسوب " هربرت سيمون" بالنص الآتي: 
   من أجل هذا، فإن التوجيه الإداري يهتم بدراسة أحوال العاملين والتابعين ومعرفة خصائصهم النفسية والجسمية والعقلية والروحية وما يتميزون به، وتحديداً استجابة كل العاملين لمتطلبات وغايات النظام الواحد وعلاقته مع النظم التربوية الأخرى، ومعرفة مدى سلوكهم النظامي عن طريق قياس وتقويم إطاعتهم للقرارات والتعليمات واللوائح والتقاليد الاجتماعية وإجراءات العمل المعمول بها، ومعرفة العلاقات الإنسانية فيما بينهم أو سلوكهم كجزء من عملهم كمجموعة.
   لذلك، فإن كمال أبو الخير، الحاصل على تمثال الامتياز الإداري كأحد رواد الإدارة والتنظيم في مصر، يرى في كتابه (مبادئ الإدارة الدولية) أن اهتمام المديرين بسلوكيات العاملين للعلاقات الإنسانية أمر مفروغ منه. فضلاً عن أن السلوكيات تحقق نوعاً من التكامل لا التفاضل بين الأهداف الشخصية للعاملين والنظم التربوية ككل، ولا يمكن أن تحقق النظم التربوية أهدافها إلا عن طريق تحسين العلاقات الإنسانية القائمة على الشفافية والنزاهة واحترام شخصية كل موظف ومحاربة المحسوبية و"الشللية" والأصولية، والمعرفة الكاملة بتكافؤ الفرص " التي تعني بالمعنى البسيط التساوي بين جميع الأفراد في المجالات المختلفة، ويعتبر أحد الوسائل التي تساعد على تحقيق العدالة وتقليل الهوة بين العاملين؛ ويعد كأحد الحقوق الأساسية من حقوق الإنسان، وهذا ما أكدته العديد من المنظمات العالمية ومنظمات حقوق الإنسان"، وكذلك معرفة رغباتهم من أجل تحقيقها لأنفسهم، كالترقيات أو الخطوات الاستثنائية أو الدوافع المالية أو الامتيازات أو المركز الاجتماعي... إلخ. ولا ينبغي على المديرين بأي حال من الأحوال أن يتجاهلوا العلاقات الإنسانية الصادقة القائمة على المحبة والثقة وتقدير الآخرين، لأن مسألة اعترافهم بأن العاملين بشر مهم جداً لتعظيم الانتماء لديهم نحو المنظمة وعلاقتها بالنظم الأخرى، والمدير الكفء الفعال لا ينكر جهود من عاونوه، وإلا سينظر إلى نفسه على أنه طبيب " Amateur Psychiatrists"، ويقول إن الخطر يكمن في هذه الرؤية أو هذه النظرة، إذ إن بعض العاملين من ذوي الذكاء الأعلى أو المتوسط قد يكشفوا عن طريق الاستنتاج أو الإحساس أن المدير ينظر إليهم على أنهم مرضى، وأنه يعالجهم، وحينئذ ينهار جدار الثقة والمحبة بينهم. وقد جعل الرسول-صلى الله عليه وسلم-رحمة الله مقابلًا وثمناً لمن يرحم عباد الله في الأرض؛ إذ يقول صلى الله عليه وسلم: "ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء"، وقال صلى الله عليه وسلم في معنى قريب من هذا: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" (صحيح الجامع الصغير للألباني، الحديث رقم 894 ورقم 238). ويترتب على ذلك أن المديرين المستبصرين يبذلون جل جهدهم لتحقيق مزيد من التعارف والعلاقات الإنسانية الفعالة مع العاملين وفيما بينهم من دون أن يترتب على ذلك التضحية بمصالح المنظمة ككل.
   فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجر: 13).
 
 فالتعارف هو أول طريق للتعامل الإنساني الإيجابي والبناء؛ فبالتعرف إلى الآخر من حيث شخصيته وطباعه وميوله وما يحب وما يكره، سيكون هناك تواصل فعال مثمر؛ فلكل شخصية مفتاح ومدخل خاص، ولا يستطيع أحد الإمساك بهذا المفتاح، الذي يعد مهماً وضرورياً للقائد التربوي لنجاحه في مهمته، إلا بالتعرف الدقيق والفهم العميق وسبر أغوار شخصية كل فرد في المنظمة.
   وأخيراً، فإنه ينبغي على رجال الإدارة في الأنظمة التربوية أن يهتموا بدراسة ديناميكية النشاط الإنساني من جهة، ومدى ارتباط هذه الديناميكية بالمناخ التنظيمي والثقافي والحضاري الذي يتم فيه هذا النشاط، وضرورة مسايرة الفكر الإداري المعاصر والإلمام بالتطورات المستمرة، وضرورة الكشف عن قدرات العاملين واستعدادهم، وتوفير الأسلوب الأفضل للتدريب والتعليم لتجسيد ترابط عضوي بينها وبين التقدم النظري والعملي والتكتيكي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي للنظم... فإذا توفر الترتيب الاجتماعي " Social Order "، والمساواة " Equity" وتخصيص المكان اللائق لكل موظف، فإن التوجيه الإداري سيسهم في تطوير العلاقات الإنسانية وتقدمها، ما يحقق الرخاء والرفاهية للعاملين والمجتمع. ويقول المثل البريطاني الشهير "The right man in the right place".
* عضو هيئة تدريس متفرغ _ فرع خان يونس