ابن "القدس المفتوحة" يركض بنهم وراء أنهر العلم والمعرفة.. سعيد القلقيلي يحفظ القرآن الكريم كاملًا غيبًا بالقراءات العشر المتواترة


نشر بتاريخ: 12-08-2017

قلقيلية-ينابيع-عبيدة الأقرع- عندما تقترن الإرادةُ بالتحدي والإصرارُ بالعمل تُصنَع المعجزات بتوفيق الله، هذا ما حدث مع المهندس سعيد إبراهيم سعيد داود المعروف بِـ سعيد ملحم القلقيلي، ابن الـ (33) ربيعًا، الذي مرَّ خلالها بمحطات كثيرة من النجاح والتفوُّق على المستويَين المحلي والدولي .
أنهى سعيد دراسة الثانوية العامة عام 2001م وحاز معدل (90%) في الفرع العلمي، التحق بعدَها بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات وحصل على درجة البكالوريوس في تخصُّص هندسة الحاسب الآلي (الكمبيوتر)، وحصل أيضًا على شهادة تخصُّص معتمَدة في شبكات الحاسوب CCNA)) من شركة (CISCO) الأمريكية عام 2009م، وهي الشركة الأولى عالميًّا في مجال شبكات الحاسوب، عمل بعد التخرُّج في مؤسسة الاتصالات الإماراتية بقسم الإنترنت.
طريق طويل يحتاج إلى إصرار كبير واصله القلقيلي؛ ففي أثناء دراسته الجامعية بكلية الهندسة تخصَّصَ أيضًا بالقراءات العشر؛ فحصل على إجازةٍ بها متصلةِ السَّند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتطلَّب منه ذلك حفظَ أكثر من (1500) بيتٍ من الشعر غيبًا في القراءات والتجويد، ثمَّ حفظ بعدَها زهاء (1000) بيتٍ جديد من الشعر في القراءات العشر (وهو متن طيِّبة النشر) سعيًا للحصول على إجازة جديدة بالقراءات العشر من طريق طيِّبة النشر، وهو ما يُعرَف عندَ أهل هذا الفن بِـ  القراءات العشر الكبرى.
وحين سألنا سعيدًا عمَّا سيفغله بعدَ عودته إلى أرض الوطن قال: "كان فخرًا لي أنني أُوكِلتُ بإمامة المصلين في المسجد الأقصى المبارك كأحدِ الأئمة في أشهر رمضان منذ عام 2008م حتى الآن". أراد سعيد أن يدعم إنجازاته في قراءات القرآن وتجويده بشهادة جامعية عُليا، فكانت الانطلاقة من "القدس المفتوحة" التي فتحت ذراعيها له كما هي مع بقية أبناء شعبنا، فالتحق بتخصُّص تعليم التربية الإسلامية، وكان مجتهدًا منذ البداية، بل كان الأولَ على كلِّ تخصُّصات الفرع خلال الفصل الدراسي (1151) .
يقول سعيد: "التحقتُ بهذه الجامعة الرائعة التي تحتضن أبناء شعبنا وتطوِّرهم وتنمِّي لديهم القدرات والمهارات، إنها جامعتنا جميعًا، جامعة القدس المفتوحة، التي تعدّ اليوم بصيص نور يضيء الطريق بالعلم لكلِّ من أعتمت طريقه بالجهل، هي منتجة المبدعين وحارسة المتفوقين، أراها تنظر بعين الأمِّ التي تربِّي أبناءها على الفضيلة، فشكرًا لك جامعتي".
وعن إجازاته في حفظ القرآن الكريم بقراءاته العشر وفي حفظ المتون العلمية المتعلقة بها تحدَّث سعيد: "منّ الله سبحانه وتعالى عليَّ فحصلتُ على إجازات في حفظ القرآن الكريم غيبًا بالقراءات والتجويد متصلة الإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تلقَّيتُها من أكابر الشيوخ المختصين بهذا العلم، وكان منها إجازة بجمع القراءات العشر غيبًا من طريق الشاطبية والدُّرَّة، تلقَّيتُها من الشيخ لؤي بن محمد الإبراهيم الحمويِّ في دُبي عام 2007م، وكذا إجازة برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية من الشيخ العلامة المقرئ الدكتور أيمن رُشدي سُوَيد في مدينة جُدة عام 2011م، وغيرها من الإجازات".
وفي حفظ المتون العلمية يقول: "حصلتُ على إجازة متصلة الإسناد في حفظ كلٍّ من متن الشاطبية في القراءات السبع غيبًا (1173 بيتًا)، ومتن الدُّرَّة في القراءات الثلاث المتمِّمة غيبًا (241 بيتًا) من الشيخ الدكتور أيمن رُشدي سُوَيد عام 2011م بمدينة جُدة، وإجازة ثالثة من الشيخ نفسه في حفظ متن المقدِّمة الجزرية في التجويد غيبًا (109 أبيات) عام 2007م في إمارة الشارقة".
طلبنا من سعيد ملحم القلقيلي أن يذكر لنا بعضًا من مشاركاته وإنجازاته الدولية فقال: "لقد مثَّلتُ دولة فلسطين في محافل دولية كثيرة في مجال القرآن الكريم (مسابقات الحفظ والقراءات، ودورات التحكيم)، فشاركتُ في المسابقة الهاشمية الدولية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره وتجويده في العاصمة الأردنية عمَّان عام 2010م، وحصلتُ فيها_بفضل الله_على المركز الأول مكررًا بمشاركة نحو (40) دولة، كما شاركتُ في مسابقة موسكو الدولية لحفظ القرآن الكريم، التي عُقِدت في العاصمة الروسية موسكو عام 2011م وحصلت فيها على المركز الأول بمنافسة نحو (36) دولة، ثم شاركتُ في جائزة الكويت الدولية لحفظ القرآن الكريم وقراءاته وتجويد تلاوته (فرع الحفظ بالقراءات السبع) في الكويت عام 2013م، واستطعتُ_بتوفيق الله_الحصول على المركز الثاني من بين نحو (60) دولة من مختلف قارَّات العالم شاركتْ في الفروع المتعدِّدة لهذه الجائزة، وشاركتُ حديثًا في دورة تدريبية عُقِدت في مكة المكرمة في تحكيم مسابقات القرآن الكريم الدولية وقد جاءت على هامش مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم، وذلك في تشرين الآخر عام 2016م وحصلتُ فيها على المركز الأول من بين (20) دولة شاركت في هذه الدورة".
ووصف سعيد تجاربه هذه بالناجحة المميزة، التي شكَّلت تحوُّلًا مهمًا في حياته نحوَ الإبداع والتميُّز، وعن حياته قال سعيد: "أنا متزوج ورزقني الله_عزَّ قدرُهُ وعلا_بابنتي مريم التي تبلغ من العمر حاليًّا أربعة أعوام"، وعن الجامعة تابع: "جامعة القدس المفتوحة فتحت لي بابًا كاد يُغلَق أمامي؛ لقد قررتُ دراسة الشريعة بعد أن مضى على تخرُّجي من الثانوية العامة أكثرُ من خمس سنوات، وهذا ما لا تقبله كثير من الجامعات، فحقَّقتْ لي الجامعة هذا الطموح بتبنِّيها نظام التعليم المفتوح الذي يناسبني ويناسب حياة معظم الطلبة، لاستطاعة الطالب المزاوجة بين التعلُّم والعمل".
وأكَّد د. جمال رباح مدير الفرع أنَّ هذه الجامعة التي خرَّجت الكثير من القيادات الفلسطينية لَتستحقُّ أن نقف لها وِقفة إجلال وإكبار؛ فهي حاضنة الشعب الفلسطينيِّ وداعمة المواهب والقدرات، وهي حامية الكفاءات أمثال سعيد الذي يستحقُّ أن نأخذ بيده ونقف بجانبه في مسيرته الإبداعية، وبيَّن أنَّ الجامعة تنظر بعَين الحرص والاهتمام لطلبتها؛ فهي ترى فيهم سفراء لها، وتنبَّأ د. نور بمستقبل باهر ونجاحات متتالية للطالب سعيد القلقيلي في مجال تخصُّصه، مبارِكًا جهوده التي يبذلها في نشر القرآن وتعليمه، وخدمة بلده فلسطين وتمثيلها خير تمثيل في محافل دولية عدَّة.
أمَّا د. نور الأقرع المساعد الأكاديمي فيقول: "رأيتُ في سعيد الطالبَ المُجِدَّ المتحمِلَ للصعاب، الراكضَ وراء أنهر العلم والمعرفة المغترفَ منها ما يميز فكره وعلمه، فقدمًا لمَن تعلَّم ليعلِّم ويعمل بما علم".
 وقال رئيس قسم شؤون الطلبة أ. أمجد سليم: "تُيَسِّر الجامعة لطلبتها_خاصة المتفوقين أمثال سعيد_الإجراءاتِ التي من شأنها تسهيلُ حياتهم الأكاديمية؛ فحصل القلقيلي على منحة تفوُّق خلال الفصل (1161)، دَورُنا إذًا هو تشجيعُ الطالب على التفوُّق والإبداع، وحلِّ مشكلاته الأكاديمية، وصقلِ شخصيته، وتطويرِ مهاراته وخبراته، فنحن بجانب طلبتنا دائمًا".
وعن مهاراته وخبراته وهواياته يقول سعيد: "أستمتع بكتابة الشعر، وأسعد كثيرًا بالمطالعة، كما أنني أحبُّ السَّفر جدًا، ومن هواياتي أيضًا ممارسة الألعاب الرياضية"، ثم راح يسهب: "أُشرِف على الكثير من الطلبة والطالبات وإجازتهم وإسنادهم بالقرآن الكريم والمتون العلمية ذات الصلة، كما أنني عضو في لجنة اختبار الحفظة في مديرية أوقاف قلقيلية، وأحد الأعضاء الثلاثة الذين اختارتهم وزارة الأوقاف لوضع تصوُّر لمجلس إقراء فلسطيني".
ويؤكد سعيد أنَّ من ذاق طعم التفوُّق والحصول على المركز الأول لا يطيب له التخلي عنه أبدًا، بهذا وبهمته الوقادة يطمح سعيد بالاستمرار حتى الحصول على درجة الدكتوراه في القراءات والتفسير منطلِقًا من جامعة القدس المفتوحة، ومن طموحاته الكبرى تسجيل القرآن الكريم صوتيًّا بالقراءات العشر، وقد بدأ فعليًّا بالإعداد لهذا المشروع العظيم الذي كانت شرارته أن قال له يومًا علَّامةُ القراءات والتجويد د. أيمن رُشدي سُوَيد: "إن سنحت لك فرصة أن تسجِّل ختمة للقرآن الكريم بصوتك فافعل؛ فما قلتُ ذلك لأحد من قبلك"، قال ذلك تعليقًا على تلاوةٍ لسعيد على قناة "اقرأ" الفضائية.
له كتابات شعرية متنوعة الموضوعات، منها مقطوعة كتبها أثناء دوامه في إحدى الليالي بمؤسسة الاتصالات في الإمارات قبل سنوات، يحكي فيها شوقه إلى الوطن الغالي:
طيـفُ البلادِ أتـى إليَّ وَلاحَــا ... يَحـكـي النَّسيمَ عَشيَّةً وصباحـا
فَـرْطُ اشتيـاقي لا أنـامُ لأجلِـهِ... ما قـرَّ جَـفْنُ مُهاجـرٍ وارتاحـا
أخفيـتُ شَوقي لا أبوحُ بـهِ فمـا ... دامَ الخـفـاءُ فصارَ بعدُ صُراحا
شطَّتْ بيَ الأسفارُ يـا تبَّا لـهـا ... ألقتْ ورائيْ أبْـحُـرًا وبِـطاحـا
منَّيتُ نفسي أنَّ عَوْدًا عاجِـــلًا... سيُزيل ما بـيَ لَـوعةً ونُـواحـا
فارقتُ أرضي لا لأجل ِضَرورة ٍ ... أبقيتُها تشـكـو أذىً وجِـراحــا
تجري بها الأنهارُ لا مِن مائِهــا ... بلْ مِـن دَم ِالأبطال ِجـادَ وساحا
أو مِنْ دموع ِالباكياتِ تَوَجُّـعــًا... تنعى النؤومَ: أمَا سَمِعْتَ صِياحا؟!
لـن ينجليْ يـومًا ظلامُ هزيمَـةٍ ... إلا بِجَعل ِالعازفاتِ رِماحــــا
يا ربِّ أظهِرْ دينَ أحمدَ في الورى ... مِنْ أجل ِذلكَ نبذلُ الأرواحـــا
 
كما عرض علينا سعيد أبياتٍ كتبها ارتبطت بموقف حدث معه؛ فقد أتاه ذاتَ ليلة خبرٌ ساءه جدًا وأحزنه كثيرًا فتمنَّى أنْ لو انتظر حاملُهُ الصباحَ لإخباره؛ فوقْعُ الخبرِ في الليل أشدُّ منه في النهار، فكتب قائلًا:
صُـبَّـتْ علَـيَّ فواجِـعُ الأخبــــارِ ... يا لَـيْـتَ حـامِـلَها أتـى بِـنَهـارِ
فَـلَعَـلَّ فِـي طَـيّـاتِـها أمَـلًا يَجـي ... فَـالـنّورُ يَسْطـعُ مِـن لهيبِ الـنّارِ
إنّـي إذا عَـصَـفَـتْ بقلـبيَ لَوْعَــةٌ ... حَـرَّى مَـزَجْـتُ الصّبرَ بالأذكــارِ
وَعَـلِـمْـتُ أنَّ اللهَ يُجْرِيْ حِـكْـمَــةً ... فأريْـهِ مِـن نفسِيْ رِضـا الأقــدارِ
فَـكَـما يزورُ الـهَـمُّ في ليلٍ كـــذا ... رَبُّ السّمـاءِ يزورُ في الأسحــــارِ
 
 
ومن كتاباته أيضًا