ابنة "القدس المفتوحة" مجد حلبي: أؤمن بأن الشاعر يولد من رحم المعاناة


نشر بتاريخ: 12-08-2017

* لا أبوح بأفكاري إلا لقلمي وأوراقي 
* لولا (الفيسبوك) لما ظهرت موهبتي
* الشعر كان وما زال سلاحًا ندافع به عن أوطاننا
 
رام الله-ينابيع-تكمل دراستها العليا بجامعة القدس المفتوحة ملتحقة ببرنامج اللغة العربية، وفي غضون مدة قصيرة سجلت حضورها بقوة على الساحة الأدبية الفلسطينية.
    "ينابيع" تفتح حوارًا شاملاً مع ابنة جامعة القدس المفتوحة الشاعرة مجد حلبي، التي تؤمن بأن الشاعر يولد من رحم المعاناة، وتؤكد أن الشعر ما زال سلاحًا ندافع به عن أوطاننا رغم ما نشهده من تقدم تكنولوجي، وفيما يأتي نص اللقاء: 
 
*هل لك أن تقدمي نبذة عن حياتك الشخصية والأسرية؟
اسمي مجد أحمد حلبي، من قرية روجيب التابعة لمدينة نابلس، أبلغ من العمر (29) عامًا، متزوجة وأم لطفلين. أعمل مدرّسة في مدرسة بيسان الأساسية للبنات، وأكمل حاليًا مشواري في التعليم لنيل درجة الماجستير في الأدب والنقد بجامعة القدس المفتوحة في مدينة رام الله.
*وماذا عن حياتك الأدبية؟
منذ نعومة أظفاري وأنا أميل فطريًا للتأمل في هذا الكون ومخلوقاته، محاولة تفسير ما أراه بطريقتي الخاصة، ففي لحظة تأمل لطفلة في العاشرة من عمرها خرجت للنور كلمات منحت تلك الطفلة رغبة في أن تكون شاعرة. دفتر صغير أكتب عليه الأشعار وأقسمها إلى موضوعات مختلفة، لكنني حينئذ لم أجد دعمًا سوى عبارات تشجيعية غير كافية من معلمات اللغة العربية، فانطويت على نفسي أحتضن كلماتي تلك. كبرتُ وكبرت معي لكنها ظلت حبيسة أوراقي وخزانتي، إلى أن وصلت سن الخامسة والعشرين، بعد ذلك رأيت في وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) خاصة، إلى جانب بعض المواقع الإلكترونية مثل "دنيا الرأي" ومجلة "معارج الفكر" التي تصدر بألمانيا-نافذة أطل من خلالها على الآخرين بكلماتي وأشعاري. 
* يقولون إن الإنسان ابن بيئته، فكيف صقلتك بيئتك شاعرة؟
يولد الشاعر من رحم المعاناة، هذا ما أؤمن به، ولكن وجودي-طفلة-في بيئة جبلية تزينها طبيعة خلابة منحني جرعات كبيرة من الإبداع، احتضنتني روح شفافة كنسمات الهواء تفوح أريجًا، لكنه ظل كزجاجة عطر مغلفة. أجل، أُودعت فكرًا خاصًا ومزاجًا مختلفًا جعلاني أنطوي قليلاً، فلا أبوح بأفكاري إلا لقلمي وأوراقي، أهرب إلى رسوم الكارتون أغذي بها خيالي وأتقمص شخصياتها وأعيش أدوارها.
* كيف ترين مستقبل الشعر العربي في ظل التطورات التكنولوجية والإعلامية المتسارعة؟
ربما يرى بعض أن التكنولوجيا تسهم في الابتعاد عن الشعر والأدب، ولكني وجدت في (الفيسبوك) ضالتي ومتنفسًا لموهبتي، فعن طريقه بدأت أكتب الخواطر القصيرة، ثم القصص بمختلف أشكالها، وعن طريقه أيضًا تعرفت إلى بعض الأدباء الذين دعموا بكل قوة مسيرتي في الشعر ورأوا أنه بإمكاني أن أكون شاعرة، أذكر منهم أستاذي الفاضل حسان نزال، والأستاذ وائل محيي الدين، لذا فبإمكان الوسائل التكنولوجية أن تكشف عن مواهب الشعراء والأدباء إن أُحسن استغلالها.
* أي الشعراء تفضلين ولمن تكتبين؟
تطربني كثيرًا قصائد محمود درويش ونزار قباني، ولا أمل على نحو شبه يومي سماعها مسجلة، وأحب أشعار أبي القاسم الشابي، وأميل إلى كتابات جبران خليل جبران، أنصت إلى كل هؤلاء الشعراء الذين يمتلكون حسًّا رومانسيًا ونغمًا حزينًا شجيًّا، فأجد أرواحهم المليئة بالأشجان قريبة من روحي.
أكتب كلماتي الممزوجة بصدق الشعور، وأشعر بها تخالط دماء أوردتي فأنشرها للكون نغمًا شجيًا، ولعلني أكتب لتلك الأرواح التي يخونها التعبير فتبحث عن كلمات تنطق بلسان حالها.
*أما زال الشعر يجسد وسيلة مؤثرة لشعب يسعى للاستقلال؟
أجل، فالشعر سيظل ديوان البلاد والعباد، فقد كان وما زال سلاحًا ندافع به عن أوطاننا ضد محتل لا ينفك يحاول إسكاتنا بشتى الطرق ويمنعنا من المطالبة بحقوقنا.
* كيف تنظرين إلى الشعر في فلسطين وبأي مستوى هو؟ 
وصل الشعر الفلسطيني إلى العالمية، فهو عندي من أرقى مستويات الشعر، ربما لأن أوضاعنا السياسية وواقعنا المؤلم يسهم في تفجير الموهبة الشعرية التي لا تحدها قضبان سجن ولا سلاح جندي على حاجز عسكري، فتطوف كلماتنا رغم كل الجدران لتصل إلى كل مكان.
* كيف ترين جامعة القدس المفتوحة من عين أديبة التحقت بها طالبةً؟
منذ أن تخرجت في "القدس المفتوحة" حاملة شهادة البكالوريوس وأنا أنتظر أن تفتح الجامعة برنامجًا للدراسات العليا، ست سنوات مضت حتى تحقق ما كنت أصبو إليه، حملت أوراقي بكل لهفة وانطلقت إليها رغم بعد المسافة مقارنة بجامعات أخرى قريبة مني، فهي جامعتي التي أعتز بها، وها أنا اليوم أشعر بالفخر والإكبار كوني إحدى طالباتها مرة أخرى، فمنذ اليوم الأول من التحاقي ببرنامج الماجستير دُعيت للمشاركة في ندوتها الأدبية النقدية حول كتاب (الأنا والآخر في شعر عبد الناصر صالح)، وكانت تلك مقدمة لإبداع الشخصية القوية وصقلها، حينئذ أسررت لنفسي "لقد أحسنت الاختيار يا مجد، ومن هنا سينطلق بك الأمل".
* هل كان للملتقى الإبداعي الطلابي الأول الذي عقدته الجامعة أثر فيك؟
في هذا الملتقى شعرت أن هناك من يهتم بصقل المواهب وتنميتها، بل رأيت الإعجاب بما أكتب مرسومًا في عيون من حضروا من قامات العلم وأصحاب الدرجات العلمية المرموقة في بلادنا، فامتلأت نفسي ثقة بأن صوتي يمكن أن يصل، وأن ما أكتبه يمكن أن يؤدي دورًا في الحركة الأدبية مستقبلاً. أجل لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي أشارك فيها وأنشر على المسامع ما أكتب، وآمل أن تستمر الملتقيات لدعم الإبداع وتطويره.
* ماذا عما يتعلق بخطتك المستقبلية على الصعيد الأدبي؟
أخبرني كثيرون ممن رأيت فيهم حسن الذائقة الأدبية بأن في كلماتي مذاقًا خاصًا وصوتًا رقيقًا يتجاوز أعماق الشعور، لذا أمست رغبتي في أن أجمع هذه الأشعار بين دفتي كتاب أكثر من أي وقت مضى كي تصبح في متناول القراء، وكنت من قبل بدأت بكتابة رواية كتجربة أولى، وآمل بأن تنضج قريبًا لترى النور.
 
بعض الأشعار 
يا قلب
 يا قلب ما بال الجراح تراكمت...حتى غدوت مكبلاً بأساكا 
هلا استرحت من العذاب دقيقة...عل البكاء يملّ من دنياكا 
ماذا تريد وأيّ خير ترتجي...قد ضاق وسع الأرض عن مسعاكا
من ذا يعيرك بسمة تحيا بها...من ذا سيأتي داعمًا يمناكا 
ابدأ بنفسك يا قريب ودلّني...فالحب لا يحيا بدون هواكا
 
 
 
لا تعاجلني بظنك 
لا تلم طول الليالي...إذ تغشاه ضبابي 
تزرع الشوك وتمضي...ناويًا طول الغياب 
فإذا ما البعد أفنى...ما بقلبك من رضاب 
جئت تستجدي حنانًا...ترتجي لون الخضاب 
ها هو الشوك أتاك...حاملاً كل العذاب 
ناشرًا فيك المآسي...قائلاً هذا ثوابي 
لا تلم قلبي إذا ما...شابه لون الغراب
زارع الشوك يعاني...وخزها وقت الإياب 
 
عذرا 
 
ويزخرف الكلمات يكسوها قلائد من زمرد حرفه 
ويرش عطر خداعه النفاذ فوق مروجها
 كيما تؤوب إليه في وقت الأصيل
ويلون البسمات فوق شفاهه 
ويذيب ثلج الخوف من ذكرى المكان 
هو ثعلب يختال بين كرومنا 
يصطاد بالحرف اللذيذ أرانبا 
وتغوص بين نيوبه الأحلام 
يا ويح قوم قد أعاروا صحنهم 
للغير يرتع فيه، يصحو أو ينام 
سلب الحنين جماله والذكريات 
واستل من قلب الزهور أريجها 
ومضى يوزع للورى ريحًا تجيء به القبور الهامدات
عذرًا صديقي ...ألف عذر...لست أدري
هل تغير دمعتي لون القصيدة 
هل بصوتي سوف تسكت روح من سرق الزمان نشيدها 
...فغدت سقيمة
 يا أيها التاريخ عذرًا،
ليس في أفواهنا حب يذوب
 إذا سرت قرب العيون جميلة
 أو مرت النسمات ترقص عندنا تهدي السكينة 
ما عادت الأطيار تشدو قربنا 
أرواحنا ظلماء يسكن في زوايا فكرها الغربان 
تمحو بحقد كل أبيض من غمام الود 
ترسمه الأكف تصافح الشطآن 
تغدو الحياة سفينة
ربانها أعمى يقود زمامها 
وعبيده قد مجدوا الشيطان 
-------------------
في غير موعده
يحبها كثيرًا، لكن نظراته تهرب بعيدًا كلما ساقتها الأقدار أمامه، يدور في خلده كلام كعطر الورد، ومع ذلك تراه يتبخر، ينتشر الثلج بينهما، وتهب ريح تتلف كل غرس على ضفاف قلبه، وحين تغادر تخرج تلك النسمات الدافئة من فؤاده كي تعيد على مسمع الأيام أجمل كلمات الغرام في صمت رهيب، فالوحدة مزقت سكون الظلام، ويستمر الحديث رغم علمه بأن نغماته لم تلامس أوتار أحد.
واجه ألمك
أحرق أوراقه، ذاك الحزن الذي قاسمك شرايين الفؤاد، واستحم بكريات دمك.
ابتسم بكل ما أوتيت من فرح وأنت تشاهد رماده يتطاير، دفتر أيامك ما زال يحوي أوراقًا. ابدأ من جديد، بأمل جديد، فلا شيء يستحق انحناءة ألم على وجنتيك.